قَالَتْ: إِنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ تَبَنَّكَ بِالْمَدِينَةِ تبنُّك مَنْ لَا يُرِيدُ الْبَرَاحَ مِنْهَا، لَا يَحْكُمُ بِعَدْلٍ، وَلا يَقْضِي بِسُنَّةٍ، يَتَتَبَّعُ عَثَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، حَبَسَ ابْنِي فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: كَيْتَ وَكَيْتَ، فَأَلْقَمْتُهُ أَخْشَنَ مِنَ الْحَجَرِ، وَأَلْعَقْتُهُ أمرَّ مِنَ الصَّابِ. " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الصَّابُ الْحُضَضُ ".
قَالَ الْقَاضِي: الْحُظَظُ بِالظَّاءِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ. قَالَ أَبُو ذويب الْهُذَلِيُّ:
نَامَ الْخَلِيُّ وَبِتُّ اللَّيْلَ مُشْتَجِرًا ... كَأَنَّ عَيْنَيْكَ فِيهَا الصَّابُ مَذْبُوحُ
مَذْبُوحٌ مَشْقُوقٌ، وَالذَّبْحُ الشَّقُّ، قَالَ الشَّاعِرُ:
كَأَنَّ بَيْنَ فَكِّهَا والفكِّ ... فَأْرَةَ مسكٍ ذُبِحَتْ فِي سكِّ
رَجْعُ الْخَبَرِ
ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي بِالْمَلامَةِ، وَأَتَيْتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِتَكُونَ فِي أَمْرِي نَاظِرًا وَعَلَيْهِ مُعْدِيًا. قَالَ: صَدَقْتِ لَا أَسْأَلُكِ عَنْ ذَنْبِهِ، وَلا أَسْأَلُكِ الْقِيَامَ بِحُجَّتِهِ؛ اكْتُبُوا لَهَا بِإِخْرَاجِهِ. قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّى لِي بِالرُّجْعَةِ وَقَدْ نَفِدَ زَادِي وكلَّت رَاحِلَتِي؟ فَأَمَرَ لَهَا بِرَاحِلَةٍ مُوَطَّأَةٍ وَخَمْسَةِ آلافِ دِرْهَمٍ.
عُرْوَة يشكو خالَ هِشَام إِلَى هِشَام
حَدثنَا أَبُو النَّضر القيلي قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زَكَرِيّا الْغلابِي قَالَ، حَدَّثَنَا عبيد الله بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ الْغلابِي: وَحَدَّثَنَا الْعُتْبِي عَن أَبِيه قَالَا: دخل عبد الله بن عُرْوَة بن الزبير " قَالَ ابْن عَائِشَة: وأمّه ابْنة الْمُغيرَة بن شُعْبَة " على هِشَام بن عبد الْملك، وَقد كَانَ إِبْرَاهِيم بن هِشَام أضرَّ بِهِ وَهُوَ على الْمَدِينَة. فَقَالَ لَهُ عبد الله: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إنَّكَ قد ولّيت خالكَ مَا بَين الْمَدِينَة إِلَى عدن فَلم يمنعهُ كثيرُ مَا فِي يَده من قَلِيل مَا فِي أَيْدِينَا إِن نازعته نَفسه اختلاس مَا فِي اختلاسه هَتْكُنا، فأنشدك الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن تصلَ رحِمًا بقطيعة أُخْرَى، فو الله مَا سخى بِأَنْفُسِنَا عَن الْأَمْوَات إِلَّا مَا كفّ وجوهَ الْأَحْيَاء، وَلِأَن نَموتَ مرفوعين أحبُّ إِلَيْنَا من أَن نعيشَ مخفوضين. فَقَالَ هِشَام لعبد الله: إِنَّه لَا سلطانَ لخالي عَلَيْك بعد يَوْمك هَذَا. فَقَالَ لَهُ عبد الله: فَإِن قَالَ نقُول وَإِن مدَّ يَده مدننا بِأَيْدِينَا؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ عبد الله لِأَخِيهِ يَحْيَى قُلْ، فَجَثَا بَين يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
إِنَّا وإخوانًا لنا قد تكلمُوا ... حَدِيثا على أَمر الضلاة والْهُدَى
يقولونَ كُنَّا سادةً فِي نديِّنا ... وَمَا ذاكمُ مرّ الحَدِيث وَلَا حلا
قعُودا بأبوابِ الفجاج وخيلنا ... تساقى كؤوسَ الموتِ تدعسُ بالقنا
فَلَمَّا أَتَاهُم فيئهم برماحنا ... تكلّم مكفيُّ بعيبٍ لِمن كفى
فَضَحِك هِشَام هِشَام وَقَالَ لَهُ: أَحْسَنت، ثُمَّ أَمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَقَالَ لكَاتبه: اكْتُبْ إِلَى إِبْرَاهِيم بن هِشَام يحسنْ إِلَيْهِ ويرفعْه فَفعل.