خبر عَمْرو بْن المسبح أرمى عَرَبِيّ
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بْن سَعِيد، عَنِ الْعَبَّاس بْن هِشَام، قَالَ: حَدَّثَنِي جميل بْن مُرَاد الطَّائِي من بني معن، عَنْ أشياخه، قَالَ: كَانَ عَمْرو بْن المسبح أرمي عربيٍّ عَلَى وَجه الأَرْض فَأدْرك امْرَأَ الْقَيْس وَله يَقُولُ امْرُؤ الْقَيْس:
رُبَّ رامٍ من بَنِي ثُعَلٍ
وعاش حَتَّى أدْرك النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْن خمسين وَمِائَة سنة فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّيْد، فَقَالَ " كل مَا أصْمَيْت ودَعْ مَا أنْمَيْت " وَفِيه يَقُولُ رجلٌ من طييء:
نَعَبَ الْغُرَابُ ولَيْتَهُ لَمْ يَنْعَبِ ... بالبين من سَلْمَى وأمِّ الحَوْشَبِ
ويروى زعب الْغُرَاب وَهِي لُغَة، قَالَ القَاضِي: وَكَأن زعب فِي هَذِهِ اللُّغَة من رفع الشَّيء وَأَخذه وَمِنْه قَول النَّبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد بن عَمْرو: " وأرغب لَك من المَال " قَالَ الشَّاعِر:
لَيْت الْغُرَاب رَمَى حِمَاطَةَ قَلْبهِ ... عَمْروٌ بأسهمه الَّتِي لَمْ تُلْغَبِ
ويروى تغلب، واللغاب عيب فِي السِّهَام، وَهُوَ اخْتِلَاف فِي الريش الَّتِي يراش بهَا واللُّؤام خِلَافه وَهُوَ مَحْمُود، وَذكر ابْن الْكَلْبِيّ أنَّ عمرا هَذَا كَانَ يمر بِهِ السِّرْبُ من القطا يطير فِي السَّمَاء، فَيَقُول: أيتها تُرِيدُونَ؟ فيشار لَهُ إِلَى وَاحِدَة فيصرعها، قَوْله: كُلْ مَا أصْمَيْتَ ودع مَا أنميت، يُقَالُ: أصمى الرَّجُل الصَّيْد إِذَا أَصَابَهُ فَمَاتَ بِحَضْرَتِهِ، وأنماه إِذا أَصَابَهُ فتحامل فعاب عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ وأشواه إِذَا أخطأه وَيُقَال: هَذَا شَوًى إِذَا لَمْ يصب المقتل، قَالَ الشَّاعِر:
وَكنت إِذَا الْأَيَّام أحْدَثنَ نكبةً ... أَقُول شَوًى مَا لَمْ يُصِبْن صَمِيمي
وَيُقَال: أشوي إِذَا أَخطَأ الصميم وَأصَاب الْأَطْرَاف كاليدين وَالرّجلَيْنِ، قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
سَلِيمُ الشّظَى عَبْل الشّوى شَنِج النّسَا ... لَهُ حَجَبَاتٌ مُشْرِفَات عَلَى الفَال
وَقد يُقَالُ لجلدة الرَّأْس شواة وَتجمع شوا، وَقَالَ بَعْض أَهْلَ التَّأْوِيل فِي قَوْله عزَّ ذكره " نَزَّاعَةً لِلشَّوَى " أنَّ مَعْنَاهُ الْأَطْرَاف، وَقيل: فَرْوَة الرَّأْس، وَقيل الْهَام، وَقيل العصب والعقب، وَقد اخْتلف الْفُقَهَاء فِي أكل الصَّيْد إِذَا أَتَاهُ راميه وَغَابَ عَنْ عينه فأحلّه بَعضهم، وحَرّمه بَعضهم عَلَى ظَاهر الْخَبَر الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَقدر آخَرُونَ لغيبته مدَّة عَلَى اخْتِلَاف مِنْهُم فِي قَدْرِهَا، قَالَ القَاضِي: وَأرى أَنَّهُ قيل للرامي فِي الْموضع الَّذِي وَصفنَا لإصابته الصميم، وأصمى أَصله عِنْدِي أصْمم فاسُتثْقِل التَّضْعِيف فَقيل أصمى، وأشْبِعت فَتحة الْمِيم الأولى فَصَارَت ألفا مَكَان الْمِيم الثَّانِيَة وبدلا مِنْهَا، وَالْعرب تَقول: تمطى فلَان من المطا وَهُوَ الظّهْر وَأَصله تمطط، وَيَقُولُونَ تقضى من القضة وَأَصله تقضض، قَالَ الراجز:
دَانِي جَنَاحَيْه من الطّور فَمَرّ ... تَقَضَى البَازِي إِذَا البَازِي كَسَر