وفاعله متعرض لِما وعد الله من فعله من عَذَابه وأليم عِقَابه، وَقد مضى فِيمَا تقدّم من مجالسنا هَذِه ذكر قصَّة بني أُبَيْرِق ورميهم بفعلهم من هُوَ بَرِيء مِنْهُ، وَإِن الله تَعَالَى أنزلَ فِي ذَلِكَ:" وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا "" النِّسَاء:١١٢ " وَقَوله فِي عَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح: " الَّذِي حمت لَحْمَه الدَّبر " لما قُتل أَرَادَ الْمُشْركُونَ أَخذه وَكَانَ قد دَعَا الله تَعَالَى أَن لَا يمسَّه مُشْرك، فأرسلَ الله تَعَالَى الدَّبر فأحاطت بِهم وحَمَتْهُ فَلم يصلوا إِلَيْهِ، فلمّا جَاءَ الليلُ أرسلَ الله سيلا فاحتمله من الْوَادي وفاتهم، ولقتله قصَّة أَنا ذاكرها:
عَاصِم حميّ الدَّبر
كَانَ أَبُو سُلَيْمَان عَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح شهد بَدْرًا وأحدًا، وَثَبت حِين ولَّى النَّاس يَوْم أحد عَن رسل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَه، وَبَايَعَهُ على الْمَوْت، وَكَانَ من الرُّمَاة الْمَذْكُورين من أَصْحَاب رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذكر أَنَّهُ قتل يَوْم أحد من أَصْحَاب اللِّوَاء من الْمُشْركين الْحَارِث وشافعًا ابْني طَلْحَة بن أبي طَلْحَة، وأمُّهما سلافة بنت سعيد بن الشَّهِيد من بني عَمْرو بن عَوْف، فنذرت أَن تشرب فِي رَأس عاصمٍ الْخمر، وَجعلت لِمن جَاءَ بِرَأْسِهِ مائَة ناقةٍ، فَقدم ناسٌ من بني لحيان من هُذَيْل على رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألوهُ أَن يوجِّه إِلَيْهِم من يفقّههم فِي الدَّين، فبعثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهم ستَّة نفر أحدهم عَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح.
فَلَمَّا صَارُوا على الرَّجيع استصرخوا عَلَيْهِم هذيلا، فَلم يشعروا وهم فِي رحالِهم إِلَّا وبارقة السيوف قد غشيتهم. فَقَاتلهُمْ مرْثَد بن أبي وخَالِد بن البكير وَعَاصِم بن ثَابت حَتَّى قتلوا، وأمّا الْآخرُونَ فاستأسروا وَحَال بَين الَّذِينَ قتلوا وَبَين رَأس عَاصِم أَن يأخذوهُ الدّبرُ، فتركوهُ وَقَالُوا: حَتَّى نمسي فنأخذه، فَبعث الله السَّيل إِلَى الْوَادي فاحتملَ عَاصِمًا فَذهب بِهِ.