وَجَمِيل المعاشرة، وكريم الصُّحْبَة، مَا يطول ذكره ويتعب جمعه، وَجَاء عل النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: " إنَّ الرَّجُل ليدرك بحُسْن خَلْقه دَرَجَة الصَّائِم الْقَائِم، وَإِن خَير مَا أُوتِيَ الْمَرْء بَعْدَ الْإِيمَان بِاللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَلْقٌ حَسَن " وَجَاء عَنْهُ صلّى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا فِي ذمّ سوء الْخلق مَا يطولُ ذكره، وَأمر هذَيْن الخلقين فِي فَضله وَحسنه، وَنقض الآخر وقبحه، بَين عِنْدَ خَواص العاقلين وعوام المتميزين، من أَن يحْتَاج إِلَى الإطناب فِيهِ والإسهاب فِي الاستشهاد عَلَيْهِ، وفقنا الله وَإِيَّاكُم من الْأَخْلَاق لكل مَا يحمد ويُستحسن، وأعاذنا ممّا يذمّ ويستهجن، فَلَنْ ندرك خيرا إِلَّا بفضله ومعونته، وَلنْ ندرأ شَرًّا إِلَّا بحوله وقوته.
عَيْش الْفُقَرَاء وحساب الْأَغْنِيَاء
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِم، عَنْ الْعُتْبِي، عَنْ سَعِيد، قَالَ: سَمِعت أَعْرَابِيًا، يَقُولُ: عجبا للبخيل المتعجل للفقر الَّذِي مِنْهُ هرب، والمؤخر للسّعَة الَّتِي إِيَّاهَا طلب، وَلَعَلَّه يَمُوت بَيْنَ هربه وَطَلَبه، فَيكون عيشه فِي الدُّنْيَا عَيْش الْفُقَرَاء، وحسابه فِي الآخِرَة حِسَاب الْأَغْنِيَاء، مَعَ أنَّكَ لَمْ تَرَ بَخيلا إِلَّا وَغَيره أسعد بِمَالِه مِنْهُ، لِأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا مهتمٌ بجمعه، وَفِي الآخِرَة آثم بِمَنْعه، وَغَيره آمن فِي الدُّنْيَا من همّه، وناج فِي الآخِرَة من إثمه.
قَالَ القَاضِي: وَفِيمَا حكى لي من منثور كَلَام ابْن المعتز: بَشِّرْ مَال الْبَخِيل بحادث أَوْ وَارِث، وَمن منظومة:
يَا مَالَ كُلِّ جامعٍ ووارث ... أبْشِر بريبِ حادثٍ أَوْ وَارِثِ
سَبَب نكبة أبي أَيُّوب المورياني وَزِير الْمَنْصُور
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْل الْعَبَّاس بْن الفَضْل الرَّبَعيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي: قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور فِي بَعْض أَسْفَاره فِي أيّام بني أُميَّة تزوج امْرَأَة من الأزد بالموصل عَنْ ضُرٍّ شَدِيد أَصَابَهُ حَتَّى أكرى نَفسه مَعَ الملاحين يمدُّ فِي الْحَبل، حَتَّى انْتهى إِلَى المَوْصِل أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لأمر خَافَه عَلَى نَفْسه، فتنكر وأكرى نَفسه فِي مدادي السفن، فَخَطب هَذِه الْمَرْأَة ورَغّبها فِي نَفسه، ووعدها ومناها وَأخْبرنَا أَنَّهُ نَابِهُ القَدْر، وَأَنه من أَهْلَ بَيت شَرَف، وَأَنَّهَا إِن تزوجته سَعِدَتْ بِهِ، فَلم يزل يُمَنِّيها بِهَذَا وَشبهه حَتَّى أَجَابَتْهُ وَأقَام مَعهَا، وَكَانَ يخْتَلف فِي أَسبَابه وَيجْعَل طَرِيقه عَلَيْهَا بِمَا رزقه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اشتملتْ عَلَى حَمْل، فَقَالَ لَهَا: أيتها الْمَرْأَة! هَذِهِ رُقْعةٌ مختومة عنْدك لَا تَفْتَحيها حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنك، فَإِن ولدت ابْنا فسمِّيه جعفرا وكَنِّيه أَبَا عَبْد اللَّه، وَإِن ولدت بِنْتا فسمِّيها فُلَانَة، وَأَنا عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد ابْن عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس بْن عَبْد الْمطلب، فاسْتُري أَمْرِي فَإنّا قومٌ مطلوبون، وَالسُّلْطَان إِلَيْنَا سريع، وودّعها وَخرج، فقُضي أَنَّهَا ولدتْ ذكرا وأخرجت الرقعة وقرأت النّسَب فَسَمتْهُ جعفرًا وَضرب الدَّهْر على ذَلِكَ مَا تسمع لَهُ خَبرا، وَنَشَأ الصَّبِي مَعَ أَخْوَاله وَأهل بَيت أمه، وَكَانَ كَيِّسًا ذَهِنًا لَقِنًا واستخلف
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute