للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنْتَ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقُلْتُ: حَسْبُكَ مِنَ الرَّهق وَكْفًا فِي دِينِكَ أَلا تَعْرِفُ نَبِيَّكَ، هَذَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَبِّلَهَا، فَمَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " مَهْ إِنَّمَا يَفْعَلُ هَذَا الأَعَاجِمُ بملوكها، وَإِنِّي لست بِملك، أَنَا رجلٌ مِنْكُمْ ". قَالَ: فَقَعَدَ الْوَزَّانُ فَاتَّزَنَ وَأَرْجَحَ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا انْصَرَفْنَا تَنَاوَلْتُ السَّرَاوِيلَ لأَحْمِلَهَا عَنْهُ فَمَنَعَنِي وَقَالَ: " صَاحِبُ الشَّيْءِ أحقُّ بِحَمْلِهِ إِلا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا عَنْهُ فَيُعِينُهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ قَالَ: نَعَمْ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَشَكَكْتُ فِي قَوْلِهِ " وَمَعَ أَهْلِي " إِنِّي أُمِرْتُ بِالتَّسَتُّرِ فَلَمْ أَجِدْ ثَوْبًا أَسْتَرَ مِنَ السَّرَاوِيلِ.

[شرح وإعراب]

قَالَ القَاضِي: قَول أبي هُرَيْرَة للوزان: " حَسبك من الرهق " يَعْنِي الهجومَ على الْبَاطِل، والمبادرة إِلَى غشيان الشرِّ والإسراع إِلَى تقحمه. وَمِنْه قَوْله جلّ اسْمه: " فَزَادُوهُمْ رَهَقًا " " الْجِنّ:٦ " وَقَوله: " فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا " " الْجِنّ:١٣ " وَقَوله " وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قترٌ " " يُونُس: ٢٦ ". وَقَول أبي هُرَيْرَة: " حَسبك مِنَ الرَّهَقِ وَكْفًا فِي دِينِكَ " الوكف: الْعَيْب، قَالَ الشَّاعِر:

الحافظو عورةَ العشيرةِ لَا ... يأتيهمُ من ورائهم وَكَفُ

نصب الْعَوْرَة لِأَنَّهُ أَرَادَ الحافظونَ العورةَ من الوكف، وَمثله الفارجو بابَ الأمرِ الْمُبْهم. وَقد رُوِيَ عَن الْأَعْمَش أَنَّهُ قَرَأَ " إِنَّا مرسلو النَّاقة " وَقَرَأَ عمَارَة بن عقيل: " وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ " " يس:٤٠ " وَهَذَا الْفَصْل بَاب من أَبْوَاب النَّحْو وَاسع وفروعه ومسائله وشواهده ودلائله كَثِيرَة، وَلَهَا مَوضِع غير هَذَا هِيَ مشروحة فِيهِ، ويسميه البصريون من اللغويين بَاب الصّفة المشبهة باسم الْفَاعِل. وَسَرَاويل فِي الأَصْل اسْم أعجمي أشبه من كَلَام الْعَرَب مَالا ينْصَرف، وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ شروال فبنتها الْعَرَب على مَا ينْصَرف من كَلَامهَا، فَإِذا صغَّرتها صرفتها إِلَّا أَن يكون اسْم رجل. وَفِي هَذَا الْخَبَر مَا دلَّ على أَن السَّرَاوِيل من الملابس المختارة، فَيَنْبَغِي لكلِّ ذِي دين وفطرة سوية من الْمُسلمين أَن يَجعل السَّرَاوِيل من أَمْثِلَة لبوسه للأثر الْوَارِد فِيهِ ولأنَّ فِيهِ من ستر العورات والإدفاء من القرّ فِي السيرات مَا لَيْسَ فِي غَيره.

سَرَاوِيلُ قَيْسٍ

حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الْعَلاءِ الْأَضَاحِي قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد عَبْد اللَّه بْن شَبِيبٍ قَالَ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيم الدروقي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو نُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ يُكَنَّى أَبَا عُثْمَانَ قَالَ: بَعَثَ قَيْصَرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ سَرَاوِيلَ أَطْوَلِ رجلٍ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ لِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: مَا أَظُنُّنَا إِلا قَدِ احْتَجْنَا إِلَى سَرَاوِيلِكَ، قَالَ: فتنحَّى فَجَاءَ بِهَا فَأَلْقَاهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَرْحَمُكَ

<<  <   >  >>