للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَسِيرَا فقد طَال الوقوفُ ومَلّه ... حراجيَجُ أمثالُ الحَنِيَّاتِ ضُمَّرُ

فيا صَاح لَو كَانَ الَّذِي بِي من الْهوى ... بِهِ لَمْ أذرْه أَن يُعَزَّى ويُنظَرُ

خَليليَ هَلا عُجْتَ إذْ أَنَا واقفٌ ... أَغِيضُ البكا فِي دَارِ مَيٍّ وأزْفُرُ

القصيدة ...

قَوْله: عجوزٌ هَتْماء: الهَتَمُ: سقوطُ الْأَسْنَان من فَوق وَمن أَسْفَل، يُقال: امْرَأَة هتماء وَرجل أهتم، ويُقَالُ: ضربه فهتم فَاه، قَالَ الفَرَزْدَق:

إنّ الأَرَاقِمَ لنْ يَنَال قَدِيمُها ... كلبٌ عوى مُتَهَتِّمُ الأسْنانِ

[مرثية من أحسن المراثي]

حَدَّثَنَا أبي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الْخُتلِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا القَاسِم بْن الْحَسَن، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيّا بْن أَبِي خَالِد البلديّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْوَرَّاق، عَنِ الأَصْمَعِيّ، قَالَ: خرجت إِلَى مَقَابِر الْبَصْرَة فَإِذا امْرَأَة واقفةٌ عَلَى قبر، وَهِي تَنْدُب وَتقول:

هَلْ أخبر القبرُ سائِليهِ ... وقرّ عينا بزائريه

أم هَلْ تُراه أحَاط علما ... بالجسد المستكن فِيهِ

يَا موت لَو تقبل افتداءً ... كنتُ بنفسي سأفتديهِ

أنْعِي بُرَيْدًا لمجتديه ... أنعي بُرَيْدًا لِمُعْتَفِيه

أنْعِي بُرَيْدًا إِلَى حزوبٍ ... تَحسِرُ عَنْ منظرٍ كريهِ

أنْعَتُ من لَا يُحِيط علما ... بوصفه نَدْبُ واصِفيهِ

يَا جَبَلا كَانَ ذَا امْتنَاع ... وركنَ عِزٍّ لآمليهِ

يَا نَخْلةً طلعُها نضيدٌ ... يَقْرُبُ من كفِّ مُجْتَنيهِ

وَيَا مَرِيضا عَلَى فراشٍ ... تؤذيه أيْدي مُمَرِّضِيهِ

وَيَا صبورًا عَلَى بلاءٍ ... كَانَ بِهِ اللَّه مُبْتَليهِ

يَا موتُ مَاذَا أردْتَ مني ... حققتَ مَا كنتُ أتّقِيهِ

دهر رماني بفقد إلفي ... أَذمّ دهري وأشتكيه

آمَنَكَ اللَّه كُلّ روع ... وكل مَا كُنْت تَتّقِيهِ

أسكنك اللَّه فِي محلٍّ ... يقصرُ عَنْ وصفِ ذاكريهِ

قَالَ القَاضِي رَحْمَة اللَّه عَلَيْه: هَذِهِ المراثي من أحسن المراثي وأبلغها من الْقُلُوب، للطف مَعَانِيهَا، ورقة حواشيها، وَقرب ألفاظها وعذوبتها، وسماحة مَجَاريها وطلاوتها، وَقل

<<  <   >  >>