للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صرف دابق وَعدم صرفه

قَالَ القَاضِي: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن الحكم فِي شعره هَذَا " بدابق " فَلم يصرفهُ فِي موضِعين، وَفِي صرفه وَترك صرفه وَجْهَان معروفان فِي كَلَام الْعَرَب، وَالْعرب تذكّره وتُؤنّثه، فَمن ذكّره صرفه كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

بدابقٍ وأينَ منّي دابق

ومَن أنَّثه لَمْ يصرفهُ كَمَا قَالَ الآخر:

لقد خابَ قومٌ قلّدوك أُمُورهم ... بدابقَ إِذْ قيلَ العدوُّ قريبُ

الباحثة عَن حتفها

وَقَوله " كباحثة عَن حتفها هِيَ لَا تَدْرِي " هَذَا مثلٌ يُضرب للَّذي يثير بِجهله مَا يُؤدّيه إِلَى هَلَاكه أَو الْإِضْرَار بِهِ. وَأَصله أَن نَاسا ً أخذُوا شَاة لَيست لَهم فأرادوا أكلهَا، فَلم يَجدوا مَا يذبحونها بِهِ فَهموا بتخليتها، فاضطربت عَلَيْهِم، وَلم تزل تثيرُ الأَرْض وتبعثرها بقوائمها، فَظهر لَهُم فِيمَا احترفته مديةٌ فذبحوها بِهَا، وَصَارَت هَذِه الْقِصَّة مثلا سائرًا فِيمَا قدّمنا ذكره. وَقَول المرواني " وَأَنت من الريش الذناني ". يُقال ذَنْب الْفرس وَغَيره، وذنابي الطَّائِر وذنابي الْوَادي وذنابته ومذنب النَّهر قَالَ الشَّاعِر:

أيا جحمتا بكي على أمِّ صاحبِ ... قتيلة قلَّوبٍ بِإِحْدَى الذنائبِ

ويروى المذانب، والجحمتان: العينان، والواحدة جحمة، ويُقال إنَّها بلغَة أهل الْيمن، والقلَّوب: الذِّئْب.

شعر ابْن البخْترِي فِي خَالِد بن الْوَلِيد حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي سَعْد قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْزَةَ اللَّخْمِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحِرْمَازِيُّ قَالَ: دَخَلَ هِشَامُ الْبَخْتَرِيِّ فِي ناسٍ مِنْ مَخْزُومٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: يَا هِشَامُ أَنْشِدْنِي شِعْرَكَ فِي خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَأَنْشَدَهُ فَقَالَ: قصَّرت فِي الْبُكَاءِ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، إِنْ كَانَ لَيُحِبُّ أَنْ يذلَّ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّامِتُ بِهِ لَمُتَعَرِّضًا لِمَقْتِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَاتَلَ اللَّهُ أَخَا بَنِي تَمِيمٍ مَا أَشْعَرَهُ.

فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقَى خِلافَ الَّذِي مَضَى ... تَهَيَّأْ لأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَن قَدِ

فَمَا عَيْشُ مَنْ قَدْ عَاشَ بَعْدِي بنافعٍ ... وَلا مَوْتُ مَنْ قَدْ مَاتَ يَوْمًا بِمُخْلِدِي

وَيُرْوَى: " وَلا مَوْتُ مَنْ قَدْ مَاتَ قَبْلِي ". ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا سُلَيْمَانَ مَا عِنْدَ اللَّهِ خيرٌ لَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ، وَلَقَدْ مَاتَ فَقِيدًا وَعَاشَ حَمِيدًا، وَلَكِنْ رَأَيْتُ الدَّهْرَ لَيْسَ يُقَاتَلُ.

قَالَ القَاضِي: لقد أحسن عمر بن الْخطاب رضوَان الله عَلَيْهِ الثَّنَاء على خَالِد بن الْوَلِيد رَحِمَهُ الله على تشعُّثٍ قد كَانَ بَينهمَا، فَلم يثنه عَن معرفَة حقّه وصحبته وصلَة رَحمَه،

<<  <   >  >>