فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَمْرٌ. فَأَنْكَرَهُ التَّمَّارُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَقَالَ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: اذْهَبْ إِلَى شَأْنِكَ، ثُمَّ عَرَفَهُ فَأَقْبَلَ يَعْتَذِرُ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالُوا: ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْكَ، يَسْأَلُكَ أَنْ تَرْضَى عَنْهُ، قَالَ: فَمَا أَرْضَانِي عَنْهُ وَعَنْ مَنْ كَانَ مِثْلَهُ إِذَا وَفَّى لِلْمُسْلِمِينَ بِشُرُوطِهِمْ وأدَّى حُقُوقَهُمْ. ثُمَّ مَضَى مِنْ فَوْرِهِ إِلَى الْقَصَّابِينَ فَقَالَ: إِيَّاكُمْ وَالنَّفْخَ والغشَّ. فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ زَكَا الْيَهُودِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ النَّفْخَ لَا يُزِيدُ فِيهِ وَلا يُنْقِصُ مِنْهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ فَمَا هُوَ؟ قَالَ: يُزِينُهُ، قَالَ: فَذَاكَ الْغِشُّ. ثُمَّ أَتَى السَّمَّاكِينَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ الْحيتَان، وَلَا تَبِيعُوا فِي سُوقِنَا الطَّافِيَ فَإِنَّهُ مَيِّتٌ. ثُمَّ أَتَى الْبَزَّازِينَ فَجَلَسَ إِلَى شَيْخٍ فَقَالَ: بِعْنِي قَمِيصًا بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ وَأَحْسِنْ بَيْعِي، فَنَاوَلَهُ قَمِيصًا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُومُ عليَّ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ لَكَ بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ، قَالَ: نَقَّصْتَ مِنْ رَأْسِ مَالِكَ دِرْهَمًا مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ عَرَفْتَنِي، لَسْتُ أَنَا الَّذِي أَبْتَاعُ مِنْكَ شَيْئًا. فَجَلَسَ إِلَى آخَرَ فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ فَلَبِسَهُ ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي كَسَانِي مِنْ رِيَاشِهِ مَا أتجمَّل بِهِ فِي النَّاسِ وَأُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي. ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَكَذَا. ثُمَّ أَتَى الرَّحْبَةَ فَهَتَفَ: يَا قَنْبَرُ، يَا قَنْبَرُ آتِنِي بِطَهُورٍ، فَأَقْبَلَ بِإِنَاءٍ مِنْ خَزَفٍ فَأَهْوَى ليصبَّ عَلَيْهِ، فَتَنَاوَلَهُ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ كَفَّيْهِ فَغَسَلَهُمَا حَتَّى أَنْقَاهُمَا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثًا، وَتَمَضْمَضَ ثَلاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، يَسْتَقْبِلُ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ بِكَفَّيْهِ وَيَسْتَدْبِرُهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ جَرِعَ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ. فَأَتَاهُ شَيْخٌ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّكَ أَتَيْتَ ابْنِي وَهُوَ لَا يَعْرِفُكَ فَابْتَعْتَ مِنْهُ قَمِيصًا وَإِنَّهُ أَغْلَى عَلَيْكَ، إِنَّمَا يَقُومُ عَلَيْنَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَخُذْ هَذَا الدِّرْهَمَ. قَالَ: لَا، أَخَذْتُ رِضَايَ وَأَخَذَ الْغُلامُ حَاجَتَهُ. ثُمَّ أَخَذَ مؤذته ابْن النباح فِي لإِقَامَة، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي سَرَقْتُ جَمَلا فَبِعْتُهُ وَأَكَلْتُ ثَمَنَهُ، قَالَ: يَا قَنْبَرُ دُونَكَ الرَّجُلَ أَوْقِدِ النَّارَ وأعدَّ المحدَّ حَتَّى آتِيَكَ، فَدَخَلَ فصلَّى بِالنَّاسِ وَصَلَّيْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ خَرَجَ مُبَادِرًا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَيْهِمَا، فَإِذَا الرَّجُلُ يَقُولُ: يَا قَنْبَرُ، مَا تَرَاهُ صَانِعًا بِي، قَالَ: لَا وَلَكِنِّي مَا سَرَقْتُ شَيْئًا قَطُّ، إِذْ أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: يَا قَنْبَرُ مَا فَعَلَ الرَّجُلُ؟ عليَّ بِهِ. قَالَ: هُوَ ذَا، هُوَ يزْعم مَا سَرَقْتُ شَيْئًا قَطُّ، قَالَ: وَيْحَكَ مَا دَعَاكَ إِلَى مَا قُلْتَ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْكَرْتُ عَقْلِي، قَالَ: آللَّهِ، قَالَ: الله. فَنَاشَدَهُ الله ثَلاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: آللَّهِ مَا سَرَقْتُ شَيْئًا قَطُّ. قَالَ: يَا قَنْبَرُ أَخْلِ سَبِيلَ الرَّجُلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ ".
سَنَدٌ آخَرُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ قَالَ، حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ عُثْمَانَ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو إِسْحَاقَ الْعُكْلِيُّ التَّمَّارُ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَطَرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الجهنيَّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: قَدِمْتُ مِنَ الْبَصْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute