نَهَتهُ فلمّا لَمْ تَرَ النّهْي عَاقَه ... بكتْ فَبكى مِمّا عراها قَطِينُها
فَقَالَ: أصبت وَالله، احْتَكِم، قَالَ: مائَة نَاقَة من نُوقك المختارة، قَالَ: هِيَ لَك، فَلَمّا كَانَ الْغَد نظر عَبْد الْملك إِلَى كُثَيِّر يسيرُ فِي عُرْض النّاس ضَارِبًا بذقنه عَلَى صَدره يفكر، فَقَالَ عليّ بِكَثِير فجيء بِهِ، قَالَ: فَإِن أصبت مَا كنتَ تفَكُر فِيهِ فَلِي حُكْمي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: الله، قَالَ: اللَّه، قَالَ: قلت فِي نَفسك: مَا أصنع بِالْمَسِيرِ مَعَ هَذَا الرَّجُل، لَيْسَ على نِحِلَتي وَلَا عَلَى مذهبي يسير إِلَى رَجُل كَذَلِك وَكِلَاهُمَا عِنْدِي ظَالِم من أَهْلَ النَّار، ويلتقي الْحَيَّانِ فيصيبني سهم غَرْبٌ فَأَكُون قَدْ خسرتُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، قَالَ: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أَخْطَأت حَرْفًا فاحتكم، قَالَ حكمي أحْسِنَ صِلَتك وأصرفك إِلَى أهلك، فَفعل ذَلِكَ
[معنى الغرب]
قَالَ القَاضِي: يُقَالُ: أَصَابَهُ سهم غَرَب وَغرب والتحريك أعلاهما، وَهُوَ أَن يُصِيبهُ السهْم عَلَى حِين غَفلَة مِنْهُ، والغرب أَيْضا عِلّة تعرض للعين، والغرب دلو عَظِيمَة، وَمِنْه الْخَبَر: " بالغَرْب فَفِيهِ نصف الْعُشْر " وَيجمع غروبا، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
من ديارْ بالهَضْبِ هَضْبِ القَلِيبِ ... فَاضَ مَاءُ الشُّؤونِ فَيْضَ الْغُرُوبِ
والغرب مُقَابل الشرق، والغَرَب بِالتَّحْرِيكِ ضرب من الشّجر مَعْرُوف، والغرب بِالْفَتْح أَيْضا من أَسمَاء الْفِضَّة، قَالَ الْأَعْشَى:
إِذَا انكب أَزْهَر بَيْنَ السُّقاة ... وَلِعُوا بِهِ غَرَبًا أَوْ نُضَارا
قَالَ أَبُو عُبَيْدة: الغرب: الْفِضَّة، والنُّضَار: الذَّهَبَ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الغرب: الْخشب، والنضار: الأثْل، وكل ناعم فَهُوَ نضار، وَقيل للأصمعي: إِنَّهُم لَمْ يَكُونُوا يشربون فِي آنِية الْخشب يَعْنِي الأكاسرة، وَيُقَال لِلْفِضَّةِ: اللُّجَين، والقطعة مِنْهُ سبيكة ودبلة، وَالذَّهَب: نضر وعقيان وعسجد، وَيُقَال لَهُ: الزخرف، والغرب أَيْضا: مَا سَالَ من الْحَوْض والبئر من المَاء، كَمَا قَالَ ذُو الرمة:
فَأدْرك الْمُتَبَقّي من ثَمِيلَتِهِ ... وَمن ثمائلها واستنشئ الغرب
قَوْله: واستنشئ الغرب مَعْنَاهُ أَنَّهُ شم من قَوْلهم: شممت مِنْهُ نشوة طيبَة أَي ريحًا طيبَة، يَقُولُ: شممن المَاء من شدَّة الْعَطش، يَعْنِي حمر الْوَحْش.
/بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْمَجْلِسُ السَّادِسُ وَالْعِشرُونَ
أَصْلُ الْمُعَانَقَةِ وَالْمُصَافَحَةِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَبُو سَعِيدٍ الْخُوَارِزْمِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّوِيلُ، حَدثنَا مُحَمَّد بن حَاتِم الجرجائي، حَدثنَا سَلمَة ابْن صَالِحٍ الأَحْمَرُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، عَنْ مُعَانَقَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ إِذَا لَقِيَهُ؟ قَالَ: كَانَ تَحِيَّةُ الأُمَمِ وَخَالِصُ وُدِّهِمُ