الزِّيَادَة من عَمَلك، ولقصّرت عَن حرصك وحيلك، وإنّما يلقاك غَدا ندمك، لَو قد زلَّت بك قدمك، وأسلمكَ أهلك وحشمك، فبانَ مِنْك الولدُ الْقَرِيب، ورفضك الوالِدُ والنسيب، ف أَنْت إِلَى دُنياكَ عَائِد، وَلَا فِي حَسَنَاتك زَائِد، فاعمل ليَوْم الْقِيَامَة، قبل الْحَسْرَة والندامة. قَالَ: فَبكى سُلَيْمَان.
وَالِد ذاهل يرثي ابْنه الوحيد
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْعَبَّاس العسكري قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي سعد قَالَ، حَدَّثَنِي حمْنَة بن الْقَاسِم بن حَمْزَة الْعلوِي قَالَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاق بن يَعْقُوب الْبَصْرِيّ قَالَ: كَانَ لبني الْعَبَّاس مولى يُقالُ لَهُ الْوَزير بن عبد ربّه، وَكَانَ قد عُمّر حَتَّى فقد مَاله وَولده فَلم يبْق لَهُ إِلَّا ابنٌ وَاحِد يُقالُ لَهُ إِبْرَاهِيم، وَكَانَ إِبْرَاهِيم الَّذِي يغذوه ويرفق بِهِ، والشيخُ شبيهٌ بالواله، فَرمي فِي جَنَازَة ابْنه إِبْرَاهِيم، فَأخذ الْجِيرَان فِي مصْلحَته، وَإنَّهُ لجالسٌ فِي نَاحيَة بِمنزله لَا يحيرُ شَيْئا، أكبر ظنهم أَنَّهُ لَا يفهمُ مَا نزل بِهِ من فقد ابْنه إِبْرَاهِيم، حَتَّى إِذا أصلحوا شَأْنه، وحملوا سَرِيره، خرج يدرجُ قدَّام الْجِنَازَة، فلمّا انْتَهوا بِهِ إِلَى شَفير قَبره ضرب يَده إِلَى أَكْفَانه ثُمَّ أنشأ يَقُول:
إِنِّي لأصبرُ مَن يمشي على قدمٍ ... غداةَ أَبْقى وإبراهيمُ فِي الرَّجُمِ
يَا مَنْ لعينٍ أبانَ الله قُرَّتها ... وَمن لسمعٍ رماهُ الله بالصممِ
قَالُوا أطلتَ الأسى فاربعْ عَلَيْك وَهل ... بكيتُ حِبِّيَ مَا لَمْ أبكِهِ بدمِ
بُدِّلْتُ من فرحي الْمَاضِي بِهِ تَرَحًا ... وَعَاد عهدُ أبي إِسْحَاق كَالْحلمِ
فَالله موضعُ مَا أَشْكُو وغايتُهُ ... وبالإلهِ من الشَّيْطَان مُعْتَصَمي
قد ذاقه من بِهِ سمَّيت فانهملت ... عينُ النَّبِيّ عَلَيْهِ سحَّة السجمِ
فَقَالَ مَا أَنا فِيك اليومَ قائلُهُ ... وبالإله سدادُ الفعلِ والكلم
مَا برَّ من قَالَ يبري الوجدُ صَاحبه ... وَقد بقيتُ ووجدي لَيْسَ بالأمم
تعصب الْمَأْمُون للأوائل من الشُّعَرَاء
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى الصولي قَالَ، حَدَّثَنِي عبد الله بن الْحُسَيْن قَالَ، حَدَّثَنِي النجدي عَن إِبْرَاهِيم بن الْحَسَن بن سهل، قَالَ: كَانَ الْمَأْمُون يتعصّب للأوائل من الشُّعَرَاء وَيَقُول: انْقَضى الشّعْر مَعَ انْقِضَاء ملك بني أميَّة. وَكَانَ عمي الْفضل يَقُول لَهُ: الْأَوَائِل حجةٌ وأصول، وَهَؤُلَاء أحسن تَفْرِيعا، إِلَى أَن أنْشدهُ يَوْمًا عبد الله بن أَيُّوب التَّيْمِيّ شعرًا مَدَحَهُ فِيهِ فلمّا بلغ قَوْله:
ترى ظاهرَ الْمَأْمُون أحسنَ ظاهرٍ ... وأحسنُ مِنْهُ مَا أسرَّ وأضمرا