يرْوى مثل شروى، فَهَكَذَا حديا كَأَن أَصله حدوى، من حدوته على كَذَا، وَمثله حميا الكأس أَصله من حموها وحَمْيِها أَي احتدامها وحرارتِها وحدتها وسورتها، يُقال: حمي الشَّيْء يحمى حموًا وحميًا، وَقَول من قَالَ: حمى يحمَى حَمى خطأ، وإنَّما مرَّ على قِيَاس الْبَاب فِي الأَصْل مثل شَجِيَ يشجى شَجى وعميَ يَعْمَى عَمى. وَقد جرى فِي هَذَا الْمَعْنى بيني وَبَين رجلٍ من أهل زَمَاننَا لَهُ حظّ من حفظ اللُّغَة كلامٌ فِي هَذَا الْمَعْنى، وأنكرتُ عَلَيْهِ قَوْله أَصَابَهُ ظَلَع، فقلتُ لَهُ: إنَّما هُوَ ظلعٌ بِإِسْكَان اللَّام، فأقامَ على خطائه مُتَعَلقا بِالْقِيَاسِ الَّذِي قدمتُ ذكره، فقلتُ لَهُ: كَيفَ تلفظ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي مِنْهُ حميَ يحمى فَقَالَ: حمًا، مارًّا على وتيرته فعرَّفته فسادَ مَا أَتَى بِهِ، وذكرتُ لَهُ شَيْئا حدِّثت بِهِ عَن أَحْمَد بن يَحْيَى النَّحْوِيّ وَهُوَ أَنَّهُ ذكر الحَمْوَ والحمي وأنكرَ قَول من يَقُول حَمَى، قيل لَهُ إِن حاكيًا حكى عَنْهُ حَمَى فَقَالَ من حكى عني هَذَا فاصفعوه. فَكَأَنَّهُ انْكَسَرَ باله وَلم يظْهر رُجُوعا عَن قَوْله. وَمثل الحديا من الصَّحِيح السَّكري وسُكَيْرَى وَقَوْلهمْ غَضبى وغضيبي. وَمن الحديا قَوْل عَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي:
حُدَيّا الناسِ كلِّهم جَمِيعًا ... مقارعةً بنيهم عَن بنينَا
فسّره بعضُ أهل الْعلم فَقَالَ: المقارعة المخاطرة هَاهُنَا. حديّا النَّاس: يُقالُ أَنا حدياك عَن هَذَا الْأَمر أَي أَنا أخاطرك عَلَيْهِ، أَرَادَ إِذْ نَحن نُقَاتِل النَّاس أَجْمَعِينَ نقارعهم بَينهم عَن بَينا، فَإِن غلبناهم سبينَا نساءَهم، وَإِن غلبونا فعلوا بِنَا مثل ذَلِكَ. وَقَول الْحجَّاج: " أَنا حديّا الظبي السانحِ والغرابِ الأبقع والكوكب ذِي الذَّنب " فَإِنَّهُ أَرَادَ إنَّا لثقتنا بالغلبة والاستعلاء، والإفحاطة والاستيلاء، نتحدى ارْتِفَاع الظبي سانحًا، وَهُوَ أَحْمَد مَا يكون فِي سرعته ومضائه، والغراب الأبقع فِي تحذره وذكائه، ومكره وخبثه ودهائه، وَذَا الذَّنب من الْكَوَاكِب فِيمَا ينذر بِهِ من عواقب مَكْرُوهَة وبلائه، فَقَالَ الْحجَّاج هَذَا مختالا فِي غلوائه، ومرهبًا لِمن بَين ظهرانيه من أعدائه، وَالله ذُو الْبَأْس الشَّديد بالمرصاد لَهُ ولحزبه وأوليائه.
السخاء فِي مَفْهُوم ابْن المقفع
حدَّثنا الْحُسَيْن بن الْقَاسِم الكوكبي قَالَ: حدَّثنا مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا الْغلابِي قَالَ: حَدَّثَنِي مَسْعُود بن بشر الْمَازِني قَالَ، حدَّثنا أَبُو عَمْرو خَلاد بن يزِيد الأرقط قَالَ، قَالَ ابْن المقفع: السخاء سخاءان: سخاء الْمَرْء بِما فِي يَدَيْهِ وَهُوَ أذكرهما فِي النّاس وأشهرهما، وسخاء الْمَرْء عَن مَا فِي أَيدي النَّاس وَهُوَ أَمْحَضُهُمَا فِي الْكَرم. وأنشدَ مَسْعُود:
إنَّ الْغِنَى عَن لئامِ النّاسِ مكرمةٌ ... وَعَن كرامهمُ أدْنى إِلَى الكَرَمِ
تَفْسِير أَلْقَت عصاها حِين تَمَثَّلَت بِهَا عَائِشَة
حدَّثنا محمَّد بْن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْهَيْثَمِ الْغَنَوِيُّ قَالَ: لَمَّا نعي عليُّ ابْن أَبِي طَالِبٍ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا واستقرَّ بهَا النَّوَى ... كَمَا قرَّعيناً بِالإِيابِ الْمُسَافِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute