للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَيُقَاتِلُ عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى تَهْلِكَ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا، فَتَقَعُ الأَمَنَةُ فِي الأَرْضِ، فَتَرْعَى الإِبِلُ مَعَ الأُسُودِ، وَالنُّمُورُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ مَعَ الحيَّات فَلا تَضُرُّهُمْ شَيْئًا، فَيَلْبَثُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يتوفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ ".

العلات والأخياف وصلَة ذَلِكَ بِالْمِيرَاثِ

قَالَ القَاضِي، قَالَ أَبُو بكر: قَوْله إخْوَة لعلاَّت، يَقُول العربُ هم إخْوَة لعَلَّات إِذا كَانَت أمهاتُهم مختلفاتٍ وأبوهم وَاحِد، فَإِذا كَانَ الآباءُ مختلفينَ والأمُ وَاحِدَة قيل: هم إخْوَة لآحاد. وَقَالَ بَعضهم: يُقال فِي هَذَا الْمَعْنى هم إخوةٌ لأخياف وإخوة لأعيان. وشتى معناهُ مختلفات. قَالَ القَاضِي: الْمَعْرُوف من كَلَام الْعَرَب أنَّهم يقولونَ للإخوة الَّذِينَ أبوهم وَاحِد وأمهاتهم شتَّى بَنو العلاتِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

والناسُ أولادُ علاَّت فَمن علمُوا ... أنْ قَدْ أقلَّ فمحقورٌ ومهجورُ

وهم بَنو الْأُم أمّا إنْ رَأَوْا نَشَبًا ... فذاكَ بالغيبِ محفوظٌ ومنصورُ

فَإِذا كَانَت الْأُم وَاحِدَة والآباءُ مختلفينَ فهم الأخيافُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

أَفِي الشدائد أخيافًا لواحدةٍ ... وَفِي الولائمِ أَوْلَادًا لعلاَّت

ويُقالُ للْفرس إِذا كَانَت إِحْدَى عَيْنَيْهِ زرقاء وَالْأُخْرَى محلاء أخيف. وَإِذا كَانَ أَبُو الْإِخْوَة وَاحِدًا وأمهم وَاحِدَة فهم الْأَعْيَان. وَجَاء عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أَعْيَانُ بَنِي الأُمِّ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَنِي الْعَلاتِ ". وَقد استدلَّ بِهَذَا الحَدِيث بعضُ من ذهبَ إِلَى قَول عبد الله بن مَسْعُود وَمن قَالَ مثل قَوْله من الْخلف وَالسَّلَف فِي ابْني عمٍّ أَحدهمَا أخٌ لأم أنَّ المالَ كلَّه لِابْنِ الْعم الَّذِي هُوَ أَخ لأم دون الآخر، وَحمله مخالفوهم على أَنَّهُ جَاءَ فِي الْأَخ للْأَب وَالأُم، وَالْأَخ للْأَب، وَجَمَاعَة غَيرهم من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين. ولكلُّ فريق مِنْهُم عللٌ يوردونها وحججٌ يأْتونَ بِهَا، وَقد رسمناها فِي موَاضعهَا من كتبنَا، وَذكرنَا مَا نختاره مِنْهَا.

مزِيد من التَّفْسِير وَالتَّعْلِيق

قَالَ ابْن الأَنْبَارِيّ فِي الْخَبَر الَّذِي قدمنَا رِوَايَته عَنْهُ، وَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يمشي بَين مُمَصَّرَتَيْنِ " معناهُ بَين شقتين فيهمَا صفرةٌ يسيرَة، والممشَّق عِنْد الْعَرَب المصبوغُ بالمغرة، والمغرة يُقال لَهَا الْمشق.

قَالَ القَاضِي: قَول النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وتهلكُ فِي زَمَانه الْملَل كلُّها " صريحُ البيانِ على أنَّ اليهودَ وَالنَّصَارَى والمجوسَ وسائرَ الْمُشْركين ذَوُو مللٍ مُخْتَلفَة وَلَيْسوا أهلَ ملةٍ وَاحِدَة، وَإِن جَمَعَهُم الْكفْر، وَأَنه لَا توارث بن أحدٍ مِنْهُم وَمن هُوَ على غير مِلَّته، لقَوْل النَّبِيّ: " لَا يتوارث أهل ملتين شَتَّى "؛ وَقد روينَا هَذَا القَوْل عَن الْحَسَن وَمَالك وَأبي عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ وَبِه نقُول. وَكَانَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يرونَ الْكفْر كلَّه مِلَّة وَاحِدَة ويوقعون التوارثَ بَينهم، وَإِلَيْهِ يذهب أصحابُ الشَّافِعِي، وَهَذَا قولٌ فَاسد، وشرحُ الْبَيَان عَن هَذَا الْبَاب

<<  <   >  >>