فَلَمّا بلغت عُمَر الأبيات، قَالَ: أَجْلِ وَالله إِن ذَلِكَ ليسُوءُني، فَمن لقِيه مِنْكُم فليخبُره أنِّي قَدْ عزلتُه، فَقدم عَليّ عمر فَاعْتَذر، حلف مَا صنع مَما قَالَ شَيئًا، وَلَكِنِّي كنت امْرأ شَاعِرًا وجدت فضلا من قَول كَمَا يَقُولُ النّاس، فَقَالَ عُمَر: وَالله لَا تَعْمَل لي عملا مَا بقيتُ وَقد قلتَ مَا قلت.
تَعْلِيق لغَوِيّ وبلاغي
قَالَ القَاضِي: قَوْله تجذو عَلَى أَطْرَاف أَصَابِع رِجْلَيْهَا: أَي تقوم، يُقَالُ مِنْهُ: جذا يجذو عَلَى أَصَابِع رجلَيْهِ، وَجَثَا يجثو عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
وسمّى الرِّجْل مِنْسمًا اسْتِعَارَة وَهُوَ فِي الأَصْل للبعير، كَمَا روى عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَة لتستثفر، وَهُوَ فِي الأَصْل للدواب ذَات الْحَافِر، وكما قَالَ: " من حفظ مَا بَيْنَ فُقْمَيْهِ وَمَا بَيْنَ رجلَيْهِ دَخَلَ الْجنَّة " يُرِيد الْفَم والفرج، وأصل الفقم للحية، وَمن المنسم قَول زُهَيْر:
وَمن لَمْ يصانع فِي أُمُور كَثِيرَة ... يُضَرَّس بأنيابٍ ويُوطَأ بمنسمِ
وَالَّذِي يُسمى من الإِنْسَان الظفر يُقَالُ لَهُ من ذَوَات الخفّ المنسم.
من الشّعْر الْعَفِيف
حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن مُحَمَّد بْن صَالح الكريري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل القَيْسيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيب الْمَدَنِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بكار، قَالَ: أنشدنا عَبْد اللَّه بْن مُصْعَب لخيرة بِنْت أبي ضيغم البَلَويَّة:
وبِتْنا خِلافَ الحَيِّ لَا نَحْنُ منهمُ ... وَلَا نَحْنُ والأعداءُ مختلطانِ
وبتنا يَقِينا بَارِدَ الطلِّ والندى ... من اللَّيْل بُرْدَا يَمْنةٍ عطران
نذوذ بِذكر الله عنّا من الخَنا ... إِذا كَانَ قَلْبانا بِنَا يردانِ
ونصدر عَن ري العفاف وربّما ... نقعنا غليل الصَّدْر بالرَّشَفَان
أَبْيَات تمثّل بهَا ابْن الزبير مُنْصَرفه يَوْم الْجمل
حَدَّثَنَا عَبْد الْبَاقِي بْن قَانِع، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صَالح بْن شيخ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرياشي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحكم الْجبلي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حلحلة الْقُرَشِيّ، عَنْ أبي رَيْحَانَة، قَالَ: لما انْصَرف الزُّبَيْر يَوْمَ الْجمل تمثل:
أمرتُهُمُ أَمْرِي بمنْعَرج اللِّوى ... وَلَا أمْر للمَعْصِيَّ إِلَّا مُضيّعا
فَقلت لكأسٍ ألْجميها فَإِنَّمَا ... حَلَلْت الْكَثِيب من زرود لأفزعا
كَأَن بليتها وبَلْدَةٍ نَحْرها ... من النَّبْلِ كُراثُ الصَّرِيم الْمُنَزّعا
إِذَا الْمَرْء لَمْ يَغْش الكريهةَ أوشَكَتْ ... حِبَالَ الْهُويَنا بالفتى أَن تُقطعا