للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَجعْنَا إِلَى شعر كُثَيِّر:

وعُودُ النّبْعِ يَنْبَتُ مُسْتَمِرًّا ... وَلَيْسَ يَطُول والقَصْبَاء خُور

قَالَ القَاضِي: النبع من كريم الشّجر وتتخذ مِنْهُ القسيّ، قَالَ الشَّاعِر:

ألم تَرَ أنَّ النّبْعَ يَصْلُب عُودُهُ ... وَلَا يَسْتَوِي والخَرْوَعُ المَتَقصِّفُ

وَقَالَ الْأَعْشَى:

ونَحْنُ أُنَاسٌ عُودُنا عُودُ نَبْعَةٍ ... إِذَا افتخرَ الحَيّان بَكْرٌ وتَغْلِبُ

قَالَ: فَاعْتَذر إِلَيْهِ عبد الْملك وَرفع مَجْلِسه، ثُمَّ قَالَ: يَا كثير! أَنْشدني فِي إخْوَان دهرك هَذَا، فأنشده:

خَيْرُ إخوانِك الْمُشَارِكُ فِي المر ... روأين الشّريكُ فِي الْمُرِّ أَيْنَا

الَّذِي إِن حضرت سرك فِي الح ... ي وَإِن غبتَ كَانَ أُذْنًا وعَيْنًا

ذَاك مثل الحسام أخلصه الق ... ين وجلاه الْجلاء فاداد رَيْنَا

قَالَ القَاضِي: ويروى: جلاه التلام يُرِيد التلامذة والتلاميذ وهم الصياقلة هَا هُنَا، وَيُقَال التلام المدوس وَهُوَ حجر يُجلى بِهِ، رَجَعَ الشَّاعِر:

أنتَ فِي معشر إِذَا غبت عَنْهُمْ ... بَدَّلُوا كلّ مَا يَزينك شَيْنَا

فَإِذا مَا رأوك قَالُوا جَمِيعًا ... أَنْت من أكْرم الرِّجَال عَلَيْنَا

فَقَالَ لَهُ عَبْد الْملك: يغْفر اللَّه لَك يَا كُثَيِّر، فَأَيْنَ الإخوان؟ قَالَ: غَيْر أَنِّي أَنَا الَّذِي أَقُول:

صَدِيقُك حِينَ تَسْتَغْنِي كثيرٌ ... ومَالَكَ عِنْدَ فقركِ من صِدِيقِ

فَلا تُنْكِر عَلَى أحدٍ إِذَا مَا ... طَوَى عَنْكَ الزِّيَارة عِنْدَ ضِيقِ

وكنتُ إِذَا الصّديق أَرَادَ غيظيعلى حَنَقٍ وأشْرَقني برِيقِي غفرتُ ذُنُوبَه وصفحت عنهمخافة أَن أكونَ بِلَا صَدِيقِ

خُرُوج عَبْد الْملك بِنَفسِهِ إِلَى حَرْب مُصْعَب وتمثله بِشعر لكثير

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يزِيد، قَالَ: أَخْبرنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن طَاهِر، عَنْ أَبِيه، عَنْ جَدّه، قَالَ: وفَدَ كُثَيِّر على عبد الْملك وَهُوَ يُرِيد الْخُرُوج إِلَى مُصْعَب، فَقَالَ لَهُ لمّا خَرَجَ: يَا ابْن أبي جُمُعَة! ذكرتُك بِشَيْء من شعرك السَّاعَة، فَإِن أصبته فلك حُكْمُك، قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أردتَ الخروجَ فبكتْ عاتكةُ بِنْت يزِيد وَحَشَمُها - يَعْنِي امْرَأَته - فذكَرْتَ قولي:

إِذَا مَا أَرَادَ الغَزْوُ لَمْ تَثْنِ هَمّه ... حَصَانٌ عَلَيْهَا نَظْمُ دُرٍّ يَزِينها

<<  <   >  >>