للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ قريشٍ إِذَا تَلاقَوْا بَيْنَهُمْ تَلاقَوْا بوجوهٍ مُسْتَبْشِرَةٍ، فَإِذَا لَقَوْنَا لَقَوْنَا بِغَيْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احمرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ: " لَا يَدْخُلُ قَلْبَ امرئٍ الإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ".

قَالَ القَاضِي: وَإِن مَوَدَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقَاربه وإخلاص الْمُوَالَاة لآله من أَرْكَان الْملَّة وخالص الشَّرِيعَة، وَإِن من انحرف عَن هَذَا وزاغ عَنْهُ وَصَدَفَ عَن التديّن بِهِ متقربًّا باعتقاده إِلَى الله وَرَسُوله فقد خسرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة " ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " " الْحَج:١١ ".

أَبُو الْأسود الدئلي وَبَنُو قُشَيْر

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِم عَن أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: كَانَ أَب الْأسود ينزل فِي بني قُشَيْر، وَكَانُوا عثمانية، وَكَانَ أَبُو الْأسود علويَّ الرَّأْي، وَكَانَ بَنو قُشَيْر يسيئونَ جواره ويؤذونه ويرجمونه بِاللَّيْلِ، فعاتبهم على ذَلِكَ فَقَالُوا: مَا رجمناك وَلَكِن الله رجمك، قَالَ: كَذبْتُمْ لأنكم إِذا رجمتموني أخطأتموني وَلَو رجمني الله لمَّا أخطأني. ثُمَّ انتقلَ عَنْهُم إِلَى هُذَيْل وَقَالَ فيهم:

شتموا عليا ثُمَّ لَمْ أزجرهم ... عَنْهُ وَقلت مقالةَ المتودِّدِ

الله يعلمُ أَن حبّي صادقٌ ... لبني النَّبِي وَللْإِمَام الْمُهْتَدي

قَالَ القَاضِي رَحِمَهُ الله: وَقد رُوِيَ لنا من طَرِيق آخر أَن أَبَا الْأسود قَالَ فِي هَذَا الْمَعْنى وَفِي بني قُشَيْر:

يقولُ الأرذلونَ بَنو قشيرٍ ... طوالَ الدهرِ مَا تَنْسَى عليا

بَنو عمِّ النَّبِيّ وأقربوه ... أحبُّ الناسِ كلِّهم إليَّا

أحبُّ مُحَمَّدًا حبًّا شَدِيدا ... وعباسًا وحمزةَ والوصيا

فإنْ يكُ حبهم رشدا أُصِبْه ... ولستُ بمخطئٍ إِن كَانَ غيا

أَو مَتى تفِيد الشَّك

ويُقالُ إِن مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ لَمّا أنْشد هَذَا الْبَيْت: قد شَككت، فَقَالَ: مَا شَككت، قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: " وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ " " سبأ:٢٤ " أَفَهَذَا شكّ؟. وَالَّذِي احتجَّ بِهِ أَبُو الْأسود بيّن الصِّحَّة، وَالْإِنْسَان يقولُ مثل هَذَا على المناصفة وتحسين المخاطبة والإرهاص لتمكين الْحجَّة وَنفي الشُّبْهَة وملاينة الْخصم، فإنَّها مِمَّا قد تعطفه إِلَى المقاربة، وتثنيه عَن اللَّدد والمشاغبة. وَقد يَقُول الرجل لِمن ركب مَعَه الْبُهْتَ فِي مناظرته والمكابرة فِي منازعته: قد زعمتَ أَنَّهُ إِذا جُمِعَ بَين النَّار والقطن أَنَّهُ لَا يَحْتَرِق الْقطن، فنحنُ نجمعُ بَينهمَا فَنَنْظُر أيحترقُ أم لَا، فَإِن لَمْ يَحْتَرِق فالقولُ مَا قلت، وَإِن احترقَ فالقولُ فِيهِ على مَا قُلْنَا. وقائلُ هَذَا لَيْسَ يَحتاجَ بجمعه بَين هذَيْن الشَّيْئَيْنِ إِلَى عِلْمِ شيءٍ جَهله، وَلَا

<<  <   >  >>