للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحَاجَةِ وَلا يَتَّخِذُونَ مُؤَذِّنًا يَطْلُبُ عَلَى أَذَانِهِ الأُجْرَةَ.

تَعْلِيق على الحَدِيث

قَالَ القَاضِي: فِي هَذَا الْخَبَر أوضح دليلٍ على أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْثِرُ التنظفَ وإماطةَ الْأَذَى عَن الْجَسَد، ويكرهُ القذارة الَّتِي هِيَ من هيئات أهل الْجفَاء ومفارقة مَا يؤثره ذَوُو الأدبِ والمروءة. وَقد أَتَى عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلام فِي هَذَا الْمَعْنى وَمَا أشبهه أخبارٌ كَثِيرَة، وَذَلِكَ أَكثر وأوضح وَأظْهر من أَن يحْتَاج إِلَى استقصاء مَا ورد فِيهِ لاشتراك الْخَاصَّة والعامة فِي مَعْرفَته، واستحسان تَفْصِيله وَجُمْلَته. وَفِيهِ أَيْضا الدّلَالَة البيّنة على فضل أهل الْقُرْآن وحَفَظَته وحَمَلَته، وأنّ مَنْ جَمَعَهُ أوفرهم حظًّا وأشرفُهُم منزلَة وأعلاهُمْ رُتْبَة وأولاهم بالتقدمة وأحقُّهم بالتأمر عَلَيْهِم. وَمَا رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنى أَكثر من أَن يُحيطَ الآدميونَ بِهِ، وَلَو لَمْ يأتِ فِيهِ إِلَّا مَا تَوَاتَرَتْ الأخبارُ بِهِ من قَول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أهل الْقُرْآن أهل الله وخاصته "، وَقَوله: " خَيركُمْ من تعلّم الْقُرْآن وَعلمه ". وَفِي بعض الرِّوَايَات: أفضلكم. وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقدِّم الأقرأ فالأقرأ لكتاب الله من أَصْحَابه.

وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي من استشهدَ مِنْهُم يَوْم أحد: " زمّلوهم بدمائِهم وَلَا تغسلوهم، ودفنوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة فِي قبرٍ واحدٍ، وقدِّموا إِلَى الْقبْلَة أَكْثَرهم قُرْآنًا ".

مقَالَة أعشى هَمدَان فِي أهل الْبَصْرَة والكوفة

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْحَسَن بْن دُرَيْد قَالَ، حَدَّثَنَا العكلي قَالَ، حَدَّثَنَا سعيد بن يحيى الْأمَوِي قَالَ، حَدَّثَنِي عمي عُبَيْد بن سعيد عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ: قدمتُ الْبَصْرَة فجلستُ فِي حلقةٍ فِيهَا الْأَحْنَف بن قيس، فَقَالَ لي رجلٌ من أهل الْحلقَة: مِمَّن أَنْت؟ قلت: من أهل الْكُوفَة، فالتفتَ إِلَى جليسه فَقَالَ: هَذَا مَوْلَانَا، فقلتُ لَهُ: أتدرونَ مَا قَالَ أعشى هَمدَان فِينَا وَفِيكُمْ؟ قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قلت:

وَإِذا فاخرتمونا فاذكروا ... مَا فعلناهُ بكم يومَ الْجمل

بَين شيخٍ خاضبٍ عثنونَهُ ... وفتى أبيضَ وضاحٍ رِفَلْ

جَاءَنَا يهدرُ فِي سابغةٍ ... قد ذبحناهُ ضحى ذَبْحَ الحَمَلْ

وعفونا فنسيتم عَفَوْنَا ... وكفرتم نعمةَ الله الْأَجَل

وقتلتم خشبيِّين بهم ... بدلٌ من قومكم شرَّ بَدل

قَالَ: فَغَضب الْأَحْنَف وَقَالَ لجاريته: هَاتِي تِلْكَ الصَّحِيفَة، فَإِذا فِيهَا من الْمُخْتَار بن أبي عُبَيْد إِلَى الْأَحْنَف بن قيس وَمَنْ قِبَلُه من مُضر: أما بعد فويل لمضر، من شرِّ أمرٍ قد ١حضر، وَإِن الْأَحْنَف موردٌ قومَه حرَّ سقر، حَيْثُ لَا يقدر لَهُم على صَدَر، وَلَقَد بَلغنِي أنَّكم تكذبون رُسُلِي، وَلَئِن فَعلْتُمْ لقد كُذِّبت الرسلُ من قبلي، وكتبت بِخَبَر من كُذِّبَ مِنْهُم،

<<  <   >  >>