للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: أَنْت الَّذِي يحرم لبس السوَاد، قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، من أخْبرك بِهَذَا؟ لَعَلَّ ذَا أخْبرك؟ وَأَشَارَ إِلَى أبي يُوسُف - فعلى هَذَا لعنة اللَّه وعَلى أستاذه من قبله، وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَقَدْ خَرَجَ إِبْرَاهِيم عَلَى جَدِّك الْمَنْصُور فَخرج أخي مَعَه، وعزمت عَلَى الْغَزْو فَأتيت أَبَا حنيفَة فَذكرت ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لي: مخرج أَخِيك أحِبَّ إليَّ ممّا عزمت عَلَيْهِ من الْغَزْو، وَوَاللَّه مَا حَرَّمت السوَاد. فَقَالَ الرشيد: فسلّم اللَّه عَلَيْكَ وقَرَّب دَارك وحَيّا مزارك، اجْلِسْ يَا أَبَا إِسْحَاق، يَا مسرور! ثَلَاثَة آلَاف دِينَار لأبي إِسْحَاق، فَأتى بهَا ووضعها فِي يَده وَخرج وَانْصَرف، فَلَقِيَهُ ابْن الْمُبَارك فَقَالَ: من أَيْنَ أَقبلت؟ فَقَالَ من عِنْدَ أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَقد أَعْطَانِي هَذِهِ الدَّنَانِير، وَأَنا عَنْهَا غنيّ، قَالَ: فَإِن كَانَ فِي نَفسك مِنْهَا شَيْءٍ فَتصدق بهَا فَمَا خَرَجَ من سوق الرافقة حَتَّى تصدق بهَا كلهَا.

كأس أم حَكِيم

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنِي عون بْن مُحَمَّد الْكِنْديّ، قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل، أَبُو أَحْمَد إِبْرَاهِيم، قَالَ: ركب الرشيد يَوْمَا بَكِرًا فَنظر إِلَى مُحَمَّد الْأمين يميلُ بِهِ سَرْجه، فَقَالَ: مَا أصارك إِلَى هَذَا يَا مُحَمَّد؟ قَالَ: أصارني إِلَيْهِ البارحة:

عَلِّلاني بعاتقاتِ الْكُرُوم ... واسْقِيَانِي بكأسِ أمِّ حَكِيم

قَالَ: فانصرفْ يَا مُحَمَّد، فَلَمّا رَجَعَ الرشيد وجّه إِلَيْهِ بخادم وَمَعَهُ كأس أم حَكِيم، وَكَانَ كأسًا كَبِيرا فِرْعُونيًا، قَدْ جعل فِيهِ طَوْقُ ذهبِ ومقبض من ذهب، فَإِذا هُوَ مَمْلُوء دَنَانِير، وَقَالَ لَهُ: يَقُولُ لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ بعثتُ إِلَيْكَ بِالَّذِي أسهرك لتشرب فِيهِ وتنتفع بِمَا يصل مَعَه، قَالَ: فَأعْطى الْخَادِم قَبْضَة من دَنَانِير، وَفرق نصفه مَا فِيهِ عَلَى جُلَسَائِهِ وَأعْطى النّصْف خازنه وَشرب فِي الْقدح ثَلَاثَة أَرْطَال رطلا بَعْدَ رَطْل ورَدّه، فَكَانَ مبلغ الدَّنَانِير عشرَة أُلَّاف دِينَار.

مَتَى يُقَالُ اللَّيْلَة الْمَاضِيَة، وَمَتى يُقَالُ البارحة

قَالَ القَاضِي: جَاءَ فِي هَذَا الْخَبَر أنَّ الْأمين قَالَ: بَكِرًا أصابني البارحة، وَهَذَا كَلَام مستفيض فِي الْعَامَّة إِطْلَاقهم إِيَّاه فِي خطابهم وَفِيمَا يَرْوُونَهُ عَنْ غَيرهم، فَأَما أَهْلَ الْعلم بِالْعَرَبِيَّةِ فيذهبون إِلَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي أَوْل النَّهَار إِلَى زَوَال الشَّمْسُ لليلة الْمَاضِيَة كَانَ كَذَا وَكَذَا اللَّيْلَة، فَإِذا زَالَت الشَّمْسُ قَالُوا حِينَئِذٍ: البارحة، وَفِي هَذَا الْخَبَر ذَكَرَ الكأس، وَقد ذهب قَوْمٍ إِلَى أَنَّهَا اسْم للخمر وَاسم للإناء، قَالَ اللَّه تَعَالَى ذكره: " يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ، بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ " وَقيل إِنَّها فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه: صفراء، وَقَالَ الْفراء: الكأس: الْإِنَاء بِمَا فِيهِ، فَإِذا أَخذ مَا عَلَيْهِ وَبَقِي فَارغًا رَجَعَ إِلَى اسْمه إِن كَانَ طَبَقًا أَوْ خُوَانًا أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْض أَهْلَ التَّأْوِيل: الكأس الْخمر، قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: " إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مزاجها كافوراً " وَقَالَ جلَّ ذكره: " وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كأساً كَانَ مزاجها زنجبيلاً " وَأنْشد أَبُو عُبَيْدة:

<<  <   >  >>