الْفَحْل للضراب غير جَائِزَة لِما وردَ فِيهَا من نهي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولأنَّ ذَلِكَ من الْغرَر الَّذِي نَهَى عَنْهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قد يُراد الْفَحْل على الضراب فيمنتع، وَقد يُكْرَهُ مِنْهُ الضراب فيتوثَّب عَلَيْهِ، فَهُوَ مَحْظُور بِما ورد من الْأَخْبَار وبدليل النّظر من جِهَة الْقيَاس وَالِاعْتِبَار وَكَانَ مَالك فِي من سلك سَبيله من أهل الْمَدِينَة يجيزونَ هَذَا ويرخصونَ فِيهِ وَلَا يرونَ بِهِ بَأْسا، وَالسّنة وَالْقِيَاس أولى بالاتباع. وَمن العسب قَول زُهَيْر:
وَلَوْلَا عَسْبُهُ لتركتموهُ ... وشرُّ منيحةٍ أيرٌ مُعَارُ
وَقد جَاءَ فِي الْأَمر بإطراق الْفَحْل أخبارٌ كَثِيرَة، وَرُوِيَ من التوعد مثل مَا ذكرنَا فِي هَذَا الْخَبَر فِي مَانع الزَّكَاة، وَجَائِز أَن يقعَ التعذيبُ بِما وَصفنَا، وكلِّ من منع حقًّا وَجب فِي هَذَا المَال عَلَيْهِ بزكاةٍ أَو غَيرهَا.
أَعْرَابِي يخضب لحيته
حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحَسَن بْن دُرَيد قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عَمه الْأَصْمَعِي قَالَ: قدم علينا أَعْرَابِي من الْبَادِيَة شيخٌ كبيرٌ، فقصدته فَوَجَدته يخضب لحيته، فَقَالَ مَا حَاجَتك؟ فَقلت: بَلغنِي مَا خصَّك الله بِهِ فجئتك لأقتبس مِنْك، يَا ابنَ أخي إنَّكَ جئتني وَأَنا أخضب، وَإِن الخضاب من عَلَامَات الْكبر، وَوَاللَّه لطالما غدوتُ على صيدِ الوحوش، وسرتُ أَمَام الجيوش، واختلت فِي الرِّدَاء، ولهوتُ بِالنسَاء، وقريتُ الضيفَ، وأرويتُ السَّيْف، وشربتُ الراح، ونادمتُ الجحجاح، والآن فقد حناني الْكبر، وَضعف مني الْبَصَر، وحلَّ بعد الصفو الكدر، وَأَنْشَأَ يَقُول:
شيبٌ تعلِّله كَيْمَا تغرَّ بِهِ ... كَهَيئَةِ الثوبِ مطويًا على مِزَقِ
قد كنتُ كالغصنِ ترتاحُ الرياحُ لَهُ ... فصرتُ عودًا بِلَا ماءٍ وَلَا وَرَقِ
قَالَ القَاضِي: ويروى " كَيْمَا تدلسه "، وَقَالَ أَيْضا: يرْوى " كالعود ".
صبرا على الدَّهْر إنَّ الدهرَ ذُو غيرٍ ... وأهلُهُ مِنْهُ بَين الصفوِ والرَّنق
خطْبَة لعمر بن عبد الْعَزِيز وَشرح بعض ألفاظها
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الأَزْدِيّ عَن ابْن أُخْت أَبِي الْوَزِيرِ عَنِ الْمَدَائِنِيِّ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الناسَ بِعَرَفَة فَقَالَ، بعد أَن حمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ: أيُّها النَّاس إنَّكم قد جئْتُمْ من الْقَرِيب والبعيد، وأنضيتم الظّهْر، وأخلقتم الثِّيَاب، وَلَيْسَ السَّابِق اليومَ مَنْ سبقتْ رَاحِلَته أَو دَابَّته، ولكنَّ السابقَ اليومَ من غفر لَهُ.
قَالَ القَاضِي: قَوْله: " أنضيتم الظّهْر " أَي اشْتَدَّ سيركم عَلَيْهِ، فكلَّ وضمر لأنكم جهدتموه وهزلتموه فَصَارَ نضوًا، يُقَال: هُوَ نضو، فِي الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْجمع، وَقد يُقال: للْأُنْثَى نضوة وجَمعها نضوات وأنشدوا:
وروضةٍ سقيتُ مِنْهُ نِضْوَتي