شدَّة السطوة بِمن قل ذَنبه ورجوت مُرَاجعَته، وَلَا تطلب مِنْهُم إِلَّا مثل الَّذِي تبذل لَهُم، وَاتَّقِ الله تَعَالَى فِي الْعدْل عَلَيْهِم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم، فَإِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون. اصرم فِيمَا علمت، وأكتب إِلَيْنَا فِيمَا جهلت يأتك أمرنَا فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله، وَالسَّلَام.
أَبُو الْأسود يُوصي حَارِثَة أَن يستغل ولَايَته
حَدثنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمَرْزُبَان قَالَ حَدَّثَنِي الْمُغيرَة بْن مُحَمَّد المهلبي قَالَ حَدَّثَنِي الْعُتْبِي قَالَ: كَانَ حَارِثَة بْن بدر الغداني صديقا لزياد بْن أَبِيه وَكَانَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي مؤاخيا لحارثة بْن بدرٍ، فقلد زِيَاد حَارِثَة بْن بدر سرق، فَكتب إِلَيْهِ أَبُو الْأسود:
أحار بْن بدرٍ قد وليت إِمَارَة ... فَكُن جرذا فِيهَا تعق وتسرق
وباه تميمًا بالغنى إِن للغنى ... لِسَانا بِهِ الْمَرْء الهيوبة ينْطق
وَلَا تحقرن يَا حَار شَيْئا أصبته ... فحظك من ملك العراقين سرق
فَإِنِّي رَأَيْت النَّاس إِمَّا مكذب ... يَقُول بِمَا يهوى وَإِمَّا مُصدق
يَقُولُونَ أقوالا بِظَنّ وشبهةٍ ... فَإِن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
فَكتب إِلَيْهِ حَارِثَة بْن بدرٍ: لم يعم علينا الرَّأْي يَا أَبَا الْأسود، وَختم كِتَابه بِهَذَا الشّعْر:
جَزَاك مليك النَّاس خير جَزَائِهِ ... فقد قلت مَعْرُوفا وأوصيت كَافِيا
أمرت بحزمٍ لَو أمرت بِغَيْرِهِ ... لألفيتني فِيهِ لأمرك عَاصِيا
ستلقى امْرَءًا يصفيك بالود مثله ... ويوليك حفظ الْغَيْب إِن كنت نَائِبا
وَأقرب مَا عِنْدِي الْمُوَاسَاة مسمحًا ... إِذا لم يجد قوم صديقا مكافيًا
تَفْسِير التَّرْخِيم وَشرح السماحة
قَالَ القَاضِي: رخم أَبُو الْأسود حَارِثَة فِي شعره، فَحذف الْهَاء والثاء، وَبَعض النَّحْوِيين لَا يُجِيز هَذَا، وَيَقُول يَا حَارِث فِي ترخيم حَارِثَة فتحذف الْهَاء خَاصَّة فَيَقُول: أحارث وأحارث على لغتين للْعَرَب فِيهِ، أفصحهما إِقْرَار حَرَكَة الْحَرْف فِي التَّرْخِيم على مَا كَانَت عَلَيْهِ، وَهُوَ الْوَجْه الْمُخْتَار، وَالْأُخْرَى صمه على حكم النداء الْمُفْرد وَالْقَضَاء على مَا بَقِي بعد حذف الطّرف للترخيم بِأَنَّهُ اسْم قد قَامَ بِنَفسِهِ وَكفى من غَيره، وَلَا نجيز هَذَا التَّرْخِيم على هذَيْن الوجيهن إِلَّا فِي ترخيم حَارِث، وَقد احْتج بِشعر أَبِي الْأسود وَغَيره فِي إجَازَة هَذَا التَّرْخِيم من أجَازه. وَقَوله: وَأقرب مَا عِنْدِي الْمُوَاسَاة مسمحًا يُقَال من السماحة والسماح، سمعح فلَان بِمَالِه ومعروفه وسامح وتسمح وتسامح، وَيُقَال أسمح فلَان فَهُوَ مسمح إِذا انْقَادَ وأصحب وَلِأَن جَانِبه وقارب غير مستصعب، قَالَ تَمِيم بْن أَبِي بْن مُقْبل الْعجْلَاني:
هَل الْقلب عَن دهماء سالٍ فمسمح ... فتاركه مِنْهَا الخيال المبرح