جميل بْن مُحَمَّد بْن جميل إِذَا أَرَادَ الرّكُوب فِي كلّ غَدَاة يَقُولُ: اللَّهُمّ إِنِّي أعوذ بك من السّبْع، فَقيل لَهُ: أَنْت تركب إِلَى الكَرْخ، فَأَي سبْعٍ فِي الكرخ، فَقَالَ: لَوْ أردتُ ذَلِكَ لَقلت: السّبُع، وَلَكِنِّي أستعيذ من سبْعٍ خِصَال، فَأَقُول: اللَّهُمّ إِنِّي أعوذ بك من السّبْع وأضمرها، وَهِي اللَّهُمّ إِنِّي أعوذ بك من السَّعْي الخائب، والبربخ العائب، والحائط المائل، والميزاب السَّائِل، ومشحمات الروايا، والمطايا الَّتِي تحمل البلايا، والتهور فِي البلاليع والركايا.
قَالَ القَاضِي: قَدْ تخفف الْعَرَب السّبُع فَتَقول السّبْع كَمَا يَقُولُ عجز وَعجز وَقد قرئَ وَمَا أَكَلَ السَّبْعُ، بتسكين الْبَاء وَجَاءَت هَذِهِ الْقِرَاءَة فِي بَعْض الرِّوَايَات عَنْ عَاصِم بْن أبي النجُود، وَقَوله فِي هَذَا الْخَبَر الْمِيزَاب هُوَ الَّذِي تخطئ فِي اللَّفْظ العامةُ فَتَقول مُزْراب، والميزاب مَأْخُوذ من قَوْلهم وزب المَاء يَزِبُ إِذَا سَالَ أَوْ جرى، وأمّا المزراب فَهُوَ السَّفِينَة.
الْمجْلس الْخَامِس
صنائع الْمَعْرُوف تقيُّ مصَارِع السوء
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ سُفْيَانَ الطَّرَائِفِيُّ سَنَةَ أَربع عشرَة وثلثمائة قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ التِّنِّيسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الأَصْبَغِ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا: " صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِ "
التَّعْلِيق عَلَى الحَدِيث
قَالَ القَاضِي: وَفِي هَذَا الْخَبَر من التَّنْبِيه عَلَى فضل اصطناع الْمَعْرُوف، وَصدقَة السِّرِّ الَّتِي يُراد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بهَا، ويطمئن الْمُتصدِّق بهَا إِلَى الإِيمَان باطّلاع عَلَيْهَا وإخلاصها من الرِّيَاء الْمُبْطل لثوابها مَا يبْعَث كلّ ذِي لب نَصَحَ لنَفسِهِ وَأَرَادَ السّعادة لَهَا، والنجاة من هول عَظِيم الْمَكْرُوه بهَا، عَلَى الرَّغْبَة فِيهِ والمسابقة إِلَيْهِ، فأعظم بِالنعْمَةِ عَلَى من دَفَعه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لطاعته، ووقاه شُحَّ نَفسه " وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون " وَقد ورد فِي هَذَا الْمَعْنى من التَّرْغِيب فِي الْبر والحض عَلَى مَا فعل مَا عَاد بجزيل الْأجر وَجَمِيل الذّكر، مَا يطول شَرحه ويُتِعب جَمْعُه، مُسْنَدًا وَمَقْطُوعًا، وَمُرْسَلا وَمَوْصُولا، وَنحن نأتي بِطرف مِنْهُ كَاف لمن تشوف إِلَيْهِ، وشاف لمن أَرَادَ لنَفسِهِ الصّلاح بِهِ فمما جَاءَ فِي هَذَا الْمَعْنى مَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُوسَى الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِمَامُ وَكَانَ يَجْلِسُ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَده فِي كل يَوْم خَمِيسٍ فَيَعِظُهُمْ وَيُحَذِّرُهُمْ، فَقَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمَنْصُورُ بُكْرَةً وَاسْتَعْجَلَنِي الرَّسُولُ، فَظَنَنْتُ ذَلِكَ لأَمْرٍ حَدَثَ فَرَكِبْتُ إِذْ سَمِعْتُ وَقْعَ الْحَافِرِ، فَقُلْتُ لِلْغُلامِ: انْظُرْ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا أَخُوكَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، فَرَفَقْتُ فِي السَّيْرِ فَلَحِقَنِي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ فَقَالَ: أَتَاكَ رَسُولُ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَهَلْ أَتَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: فَفِيمَ ذَاكَ تُرَى؟ قَالَ: تَجِدُهُ اشْتَهَى خَلا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute