للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَلِي هَذَا الْأَمر أَنا وَأَنت. قَالَ: ثُمَّ قَامَ عمر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِنِّي لست بقاضٍ وَلَكِنِّي منفذ، وَلست بِمُبْتَدعٍ وَلَكِنِّي مُتبع، وَإِن حَوْلكُمْ من الْأَمْصَار والمدن فَإِن هم أطاعوا كَمَا أطعتم فَأَنا وَلِيكُم، وَإِن هم نقموا فلست لكم بوالٍ. ثُمَّ نزل يمشي فَأَتَاهُ صَاحب المراكب فَقَالَ: مَا هَذَا؟ أقالك: مركب الْخَلِيفَة، قَالَ: لَا حَاجَة لي فِيهِ، إيتوني بدابتي، فَأتوهُ بدابته فركبها ثُمَّ خرج يسير وَخَرجُوا مَعَه، فمالوا إِلَى طَرِيق، قَالَ: إِلَى أَيْن؟ قَالُوا: إِلَى الْبَيْت الَّذِي يهيأ للخليفة، قَالَ: لَا حَاجَة لي فِيهِ، انْطَلقُوا بِي إِلَى منزلي، قَالَ رَجَاء:

فَأتى منزله فَنزل عَن دَابَّته، ثمَّ دَعَا بدواةٍ وقرطاسٍ وَجعل يكْتب بِيَدِهِ إِلَى الْعمَّال فِي الْأَمْصَار ويمل على نَفسه، قَالَ رَجَاء: فَلَقَد كنت أَظن أَن سيضعف فَلَمَّا رَأَيْت صَنِيعه فِي الْكتاب علمت أَنه سيقوى بِهَذَا وَنَحْوه. فَأتى منزله فَنزل عَن دَابَّته، ثمَّ دَعَا بدواةٍ وقرطاسٍ وَجعل يكْتب بِيَدِهِ إِلَى الْعمَّال فِي الْأَمْصَار ويمل على نَفسه، قَالَ رَجَاء: فَلَقَد كنت أَظن أَن سيضعف فَلَمَّا رَأَيْت صَنِيعه فِي الْكتاب علمت أَنه سيقوى بِهَذَا وَنَحْوه.

هَل تجوز الشَّهَادَة على الْكتاب الْمَخْتُوم

قَالَ القَاضِي رَحمَه الله: قد اخْتلف أهل الْعلم فِي الشَّهَادَة على الْكتاب الْمَخْتُوم كَالَّذي جرى فِي هَذِه الْقِصَّة، وكالرجل يكْتب وَصيته فِي صحيفَة وَيخْتم عَلَيْهَا وَيشْهد قوما على نَفسه أَنَّهَا وَصيته من غير أَن يقرأوها عَلَيْهِ أَو يَقْرَأها عَلَيْهِم ويعاينوا كتبه إِيَّاهَا، وَمَا أشبه هَذَا مِمَّا يشْهد الْمَرْء فِيهِ على نَفسه وَإِن لم يقرأه الشَّاهِد أَو لم يقْرَأ عَلَيْهِ، فَأجَاز ذَلِك وأمضاه وأنفذ الحكم فِيهِ جُمْهُور أهل الْحجاز، وَرُوِيَ عَن سَالم بْن عَبد اللَّه، وَذهب إِلَى هَذَا مَالك بْن أنس وَمُحَمّد بْن سَلمَة المَخْزُومِي، وَأَجَازَ ذَلِك مَكْحُول ونمير بْن أَوْس وزرعة بن إِبْرَاهِيم وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز فِي من وافقهم من فُقَهَاء أهل الشَّام، وَحكى نَحْو ذَلِك خَالِد بْن يزِيد بْن أَبِي مَالك عَن أَبِيه وقضاة جنده، وَهُوَ قَول اللَّيْث بن سعد فِي من وَافقه من فُقَهَاء أهل مصر وَالْمغْرب، وَهُوَ قَول فُقَهَاء أهل الْبَصْرَة وقضاتهم، وَرُوِيَ عَن قَتَادَة وَعَن سوار بْن عَبد اللَّه وَعبيد الله بْن الْحسن ومعاذ بْن معَاذ العنبريين فِي من سلك سبيلهم، وَأخذ بِهَذَا عدد من متأخري أَصْحَاب الحَدِيث مِنْهُم أَبُو عبيد وَإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه.

وَأبي ذَلِك جمَاعَة من فُقَهَاء أهل الْعرَاق مِنْهُم إِبْرَاهِيم وَحَمَّاد الْحسن، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر، وَهُوَ قَول شَيخنَا أَبِي جَعْفَر رَحمَه الله عَلَيْهِ، وَكَانَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي بالعراق يذهب إِلَى القَوْل الأول لعلل ذكر أَنه حَاج بعض مخالفيه فِيهَا.

قَالَ القَاضِي: وَإِلَى القَوْل الَّذِي قدمت حكايته عَن أهل الْحجاز وَالشَّام ومصر وَالْمغْرب وَالْبَصْرَة أذهب، وَلكُل ذِي قولٍ من هذهين الْقَوْلَيْنِ علل يعتل بهَا لقَوْله، ويحتج بهَا على خَصمه، وَلَيْسَ هَذَا الْموضع مِمَّا يحْتَمل إحضارها، وَهِي مشروحة مستقصاة فِي مَا رسمناه من كلامنا فِي كتب الْفِقْه ومسائله. وَقَوله: " أَلا صني " قريب من معنى قَوْله أدارني وَهُوَ ليه وفتله.

<<  <   >  >>