عَلَيْهِ ووقف على قَبره فَلَمَّا دُلي فِي قَبره قَالَ: رَحِمك الله، أَنْت وَالله كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
أَخُو الْجد إِن جد الرِّجَال وشمروا ... وَذُو باطلٍ إِن كَانَ فِي الْقَوْم بَاطِل
سَعَة علم الْمَأْمُون
حَدثنَا عبد الْبَاقِي بْن قانعٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زَكَرِيّا الغَلابِي قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن عمرَان العجيفي عَن مُحَمَّد بْن سعدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حَفْص الْأنمَاطِي قَالَ: تغدينا مَعَ الْمَأْمُون فِي يَوْم عيدٍ، قَالَ: وَأَظنهُ وضع على مائدته أَكثر من ثَلَاثمِائَة لونٍ، قَالَ: فَكلما وضع لون نظر الْمَأْمُون إِلَيْهِ فَقَالَ: هَذَا نَافِع لكذا ضار لكذا، فَمن كَانَ مِنْكُم صَاحب بلغم فليجتنب هَذَا، وَمن كَانَ مِنْكُم صَاحب بلغم فليجتنب هَذَا، وَمن كَانَ مِنْكُم صَاحب صفراء فَليَأْكُل من هَذَا، وَمن غلبت عَلَيْهِ السَّوْدَاء فَلَا يعرض لهَذَا، وَمن قصد قلَّة الْغذَاء فليقتصر على هَذَا. قَالَ: فو الله إِن زَالَت تِلْكَ حَاله فِي كل لونٍ يقدم إِلَيْهِ حَتَّى رفعت الموائد، فَقَالَ لَهُ يحيى بْن أَكْثَم: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن خضنا فِي الطِّبّ كنت جالينوس فِي مَعْرفَته، أَو فِي النُّجُوم كنت هرمس فِي حسابه، أَو فِي الْفِقْه كنت عَليّ بْن أبي طَالِب عَلَيْهِ السّلام فِي علمه، أَو ذكر السخاء كنت حَاتِم طَيء فِي صفته، أَو صدق الحَدِيث فَأَنت أَبُو ذرٍ فِي لهجته، أَو الْكَرم فَأَنت كَعْب بْن مامة فِي فعاله، أَو الْوَفَاء فَأَنت السموأل ابْن عاديا فِي وفائه. فسر بِهَذَا الْكَلَام وَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد إِن الْإِنْسَان إِنَّمَا فضل بعقله، وَلَوْلَا ذَلِك لم يكن لحم أطيب من لحمٍ وَلَا دم أطيب من دمٍ.
ميل الْمَأْمُون إِلَى التَّوَاضُع
قَالَ: وَنظر يَوْمًا إِلَى رُؤُوس آنيته محشوة بقطنٍ وَكَانَت قبل ذَلِك بأطباق فضةٍ، فَقَالَ لصَاحب الشَّرَاب: أَحْسَنت يَا بني إِنَّمَا يباهي بِالذَّهَب وَالْفِضَّة من قلا عِنْده، وَأما نَحن فَيَنْبَغِي أَن نباهي بالأفعال الجميلة والأخلاق الْكَرِيمَة، فإياك أَن تحشو رُؤُوس أوانيك إِلَّا بالقطن فَذَاك بالملوك أهيأ وأبهى.
ولد لأبي دلامة ابْنة
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْعَبَّاس العسكري قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سعدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يحيى بن خَليفَة بن الجهم الدَّارِمِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَفْص المعجلي قَالَ: ولد لأبي دلامة ابْنة فغدا على أَبِي جَعْفَر الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه ولد لي اللَّيْلَة ابْنة، قَالَ: فَمَا سميتها؟ قَالَ: أم دلامٍ. قَالَ: وَأي شَيْء تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيد أَن يُعِيننِي عَلَيْهَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ثُمَّ أنْشدهُ:
لَو كَانَ يقْعد فَوق الشَّمْس من كرم ... قوم لقيل اقعدوا يَا آل عَبَّاس
ثمَّ ارْتَقَوْا فِي شُعَاع الشَّمْس كلكُمْ ... إِلَى السَّمَاء فَأنْتم أكْرم النَّاس
قَالَ: فَهَل قلت فِيهَا شَيْئا؟ قَالَ: نعم، قلت:
فَمَا وَلدتك مَرْيَم أم عِيسَى ... وَلم يكفلك لُقْمَان الْحَكِيم
وَلَكِن قد تضمك أم سوءٍ ... إِلَى لباتها وَأب لئيم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute