امتنانًا، وَلَا أستزيدك بهَا ثَنَاء وَلَا أقطع لَك بهَا رجاءَ.
ليلى الأخْيلِيَّةُ ووفودها عَلَى الحَجَّاج
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عُبَيْد، عَنْ أبي الْحَسَن الْمَدَائِنِي، عَمَّن حَدثهُ، عَنْ مولى لعنبسة ابْن سَعِيد بْن الْعَاصِ، قَالَ: كنت أَدخل مَعَ عَنْبَسَة إِذَا دَخَلَ عَلَى الحَجَّاج، فَدخل يَوْمَا وَدخلت إِلَيْهِمَا وَلَيْسَ عِنْدَ الحَجَّاج أحد غَيْر عَنْبَسَة، فَقَعَدت فجيء الحَجَّاج بطبق فِيهِ رُطَب، فَأخذ الْخَادِم مِنْهُ شَيئًا فَجَاءَنِي، ثُمَّ جَاءَ بطبق آخر فَأَتَانِي الْخَادِم مِنْهُ بِشَيْء، ثُمَّ جِيءَ بطبق آخر حَتَّى كثرت الأطباق، وَجعل لَا يُؤْتونَ بِشَيْء إِلَّا جَاءَنِي مِنْهُ بِشَيْء حَتَّى ظَنَنْت أنَّ مَا بَيْنَ يَدي أَكثر ممّا عِنْدهم، ثُمَّ جَاءَ الْحَاجِب فَقَالَ: امْرَأَة بِالْبَابِ، فَقَالَ الْحجَّاج: أدخلها. فَدخلت، فَلَمّا رَآهَا الحَجَّاج طأطأ رَأسه حَتَّى ظَنَنْت أنَّ ذقنه قَدْ أصَاب الأَرْض، فَجَاءَت حَتَّى قعدت بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَظَرت إِلَيْهَا فَإِذا امْرَأَة قَدْ أَسِنَت، حَسَنَة الخَلْق، وَمَعَهَا جاريتان لَهَا، وَإِذا هِيَ ليلى الأخيلية، فَسَأَلَهَا الحَجَّاج عَنْ نَسَبهَا فانتسبت لَهُ، فَقَالَ لَهَا: يَا ليلى! مَا أَتَانِي بك؟ قَالَتْ: إخلاف النُّجُوم وَقلة الغيوم وكلب الْبرد وَشدَّة الْجهد، وَكنت لنا بعد الله الرفد، فَقَالَ لَهَا: صفي لنا الفجاج، فقاتل: مغبرة وَالْأَرْض مقشعرة، والمبرك معتل، وَذُو الْعِيَال مختل، وَالْمَال القُلّ، وَالنَّاس مُسنتون، رَحْمَة الله يرجون، وأصابتنا سنُون مجحفة مبلطة، لم تدع لَنَا هُبَعًا وَلَا ربَعًا، وَلَا عافطة وَلَا نافطة، أذهبت الْأَمْوَال ومزقت الرِّجَال وأهلكت الْعِيَال، ثمَّ قَالَتْ: قَدْ قلت فِي الْأَمِير قولا، قَالَ: هَاتِي، فأنشأت تَقول:
أحجّاجُ لَا يُفْلَلُ سلاحُك إِنَّمَا ال ... منايا بِكفِّ اللَّه حَيْثُ يَرَاها
أحجاجُ لَا تُعْطِي العداة مناهمُ ... وَلَا اللَّهُ يُعْطي للعُداة مناها
ذَا هَبَط الحَجَّاجُ أَرضًا مَرِيضَة ... تتبع أقْصَى دائها فشفاها
شفاها من الدَّاء الْعُضال الَّذِي بهَا ... غُلَام إِذَا هَزَّ القناةَ سَقَاها
سَقَاهَا فرواها بشِرْبٍ سِجَالُهُ ... دِماءَ رِجال حَيْثُ قَالَ حشاها
إِذَا سمع الحَجَّاج رِزَّ كَتِيبَة ... أعدَّ لَهَا قَبْلَ النُّزُول قِراها
أعدَّ لَهَا مَسْمومة فارسيَّة ... بأيدي رجال يَحْلِبُون صَرَاها
فَمَا ولدَ الأبكارُ والْعُونُ مثلَه ... ببحرٍ وَلَا أرضٍ يَجِفُّ ثَرَاها
قَالَ: فَلَمّا قَالَتْ هَذَا الْبَيْت، قَالَ الحَجَّاج: قاتلها اللَّه! مَا أصَاب صِفَتي شَاعِر مُنْذُ دخلت الْعرَاق غَيرهَا، ثُمَّ الْتفت إِلَى عَنْبَسَة بْن سَعِيد، فَقَالَ: وَالله إِنِّي لأعد لِلْأَمْرِ عَسى أَلا يكون أبدا، ثُمَّ الْتفت غليها، فَقَالَ: حَسبك، فَقَالَت: قَدْ قلت أَكثر من هَذَا، قَالَ: حَسبك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute