للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القَاضِي، فَرَجَعت إِلَى زَوجي، فَمَا استعداؤُها عليّ، فَقَالَ ابْن أبي ليلى: وَاحِدَة بِوَاحِدَة والبادي أظلم، قومِي إِلَى مَنْزِلك. قَالَ ابْن أبي ليلى: فَحدثت الْهَادِي بذلك، فَقَالَ: وَيحك يَا مُحَمَّد! مَا سَمِعت حَدِيثا أحسن من هَذَا، أَنَا أُحِبَّ أَن أحدث بِهِ الخيزران، يَعْنِي أمه.

قَالَ القَاضِي: وقصة هَذَا الْخَبَر كقصة الْمُقدم لَهُ فِي أَنَّهُ لَا يحل الْجمع بَيْنَ الْمَرْأَة وعمتها فِي النِّكَاح، وَأَن التمَاس هَذِهِ الْجَارِيَة من خاطبها تمليكها طَلَاق عَمَّتهَا وبنتها من حباله لمّا وَصفنَا أَنَّهَا أَرَادَت أَن تشفي غيظها وتتولى التَّفْرِيق بَينهَا وَبَين زَوجهَا بِنَفسِهَا مُقَابلَة لَهَا عَلَى مَا ابْتَدَأتهَا بِهِ من إساءتها.

أَخَاف أَن يكونَ فِي قَبُولهما وَهَقُ رقبتي

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حسان، قَالَ: قَالَ لي عمي: قَدِمَ مُحَمَّد بْن قَحْطَبَةَ الْكُوفَة فَقَالَ: أحتاج إِلَى مُؤَدِّب يؤدبُ أَوْلَادِي، حافظٌ لكتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، عَالِمٌ بِسنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالآثار وَالْفِقْه والنحو وَالشعر وَأَيَّام النّاس فَقيل لَهُ: مَا يجمع هَذِهِ الْأَشْيَاء إِلَّا دَاوُد الطَّائِي وَكَانَ مُحَمَّد بْن قَحْطَبَةَ ابْن عَم دَاوُد، فَأرْسل إِلَيْهِ يعرض ذَلِكَ عَلَيْهِ ويُسَنِّي لَهُ الأرزاقَ والفائدة، فَأبى داودُ ذَلِكَ، فَأرْسل بدرة فِيهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم، وَقَالَ لَهُ: اسْتَعِنْ بِهِا عَلَى دهرك، فَردهَا، فَوجه إِلَيْهِ ببدرتين مَعَ غلامين لَهُ مملوكين، وَقَالَ: إِن قَبِل البدرتين فأنتما حُرَّان. فمضيا بهما إِلَيْهِ فَأبى أن يقبلهما فَقَالَا لَهُ: فِي قبولهما عتق رقابنا، فَقَالَ لَهما: إِنِّي أَخَاف أَن يكونَ فِي قَبُولهما وَهَقُ رقبتي فِي النَّار، رُدَّاها إِلَيْهِ وقولا لَهُ أَن يَرُدَّهما عَلَى من أخَذْتُهما مِنْهُ أولى من أَن تُعْطِيني إيَّاهُمَا.

لَوْ عُلِم السّبَب

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْمبرد فَجَاءَهُ رجلٌ من وُلِد ابْن الزيات فَشَكا إِلَيْهِ أَمر ابنٍ لَهُ خُدع وَلَيْسَ يدْرِي أَيْنَ هُوَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ جميل الْوَجْه، وشاور أَبَا الْعَبَّاس فِي أمره، فَلَمّا قَامَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أنشدنا الرياشي:

وَلَو كَانَ هَذَا الضَّبُّ لَا ذَنَبٌ لَهُ ... وَلَا كُشْيةٌ مَا مَسّهُ الدَّهْر لامِسُ

وَلكنه من أَجْلِ طِيب ذُنَيبِه ... وكُشْيَتِه دَبّتْ إِلَيْهِ الدهارِسُ

قَالَ القَاضِي: الْكُشية: الشحمة، وَيُقَال: إِن عَليّ جنبتي ظَهره من جهتي عُنُقه إِلَى ذَنبه شَحْمتين ممتدتين إِلَيْهِ هما كُشْيتاه، وجمع الكشية كُشى مثل كُلية وكلى، قَالَ الشَّاعِر:

إِنَّك لَوْ ذُقت الْكُشَى بالأكباد ... لَمْ تُرسلِ الضَّبَّة إعداء الوَادِ

والدهارس والدهاريس: الدَّوَاهِي، قَالَ الشَّاعِر:

حَنّتْ إِلَى النَّخْلَةِ القصوى فَقلت لَهَا ... حِجْرٌ حرَام أَلا تِلْكَ الدَّهارِيس

<<  <   >  >>