جَعْفَر ابْن أَبِي طَالِبٍ الْجَعْفَرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْخَصِيبِ الْحَنَفِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ بَزَّازٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيَّ أَنَّهُ شَكَرَكَ عَلَى أَرْبَعِ خِصَالٍ كُنْتَ عَلَيْهِنَّ مُقِيمًا قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَنِي اللَّهُ تَعَالَى، فَمَا هُنَّ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَوْلا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَبَّأَكَ بِهِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ عَنْ نَفْسِي كَرَاهِيَةَ التَّزْكِيَةِ.
إِنِّي كَرِهْتُ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ لأَنِّي رَأَيْتُهَا لَا تَنْفَعُ وَلا تَضُرُّ، وَكَرِهْتُ الزِّنَا لأَنِّي كَرِهْتُ أَنْ يُؤْتَى إِلَيَّ، وَكَرِهْتُ شُرْبَ الْخَمْرِ لأَنِّي رَأَيْتُهَا مُنْقِصَةً لِلْعَقْلِ، وَكُنْتُ إِلَى أَنْ أَزِيدَ فِي عَقْلِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْقِصَهُ، وَكَرِهْتُ الْكَذِبَ لأَنِّي رَأَيْتُهُ دَنَاءَةً.
تَعْلِيق الْمُؤلف
قَالَ القَاضِي: وَفِي هَذَا الْخَبَر من المحاسن لظَاهِر مَا فِيهَا من الْفَضْل لِذَوي اللب وَالْعقل، مَا لَا خَفَاء بِهِ لمن أحسن النّظر لنَفسِهِ، ونصح لَهَا، وحرص عَلَى رشدها وصلاحها، ونزهها عَمَّا يرديها ويشينها.
وَقَدْ أَتَت الشَّرِيعَة بِالدُّعَاءِ إِلَى هَذِهِ الْخِصَال، ووكدتها وحضت عَلَيْهَا وأيدتها، وَذَلِكَ أظهر من أَن يحْتَاج إِلَى ذكر مَا أَتَى بِهِ التَّنْزِيل، وأَنْبَأَ بِهِ الرَّسُول، وَرُوِيَ عَنْ عُلَمَاء أَهْل الْفِقْه والتأويل، وَأولى التَّقَدُّم فِي الْفَهم والتحصيل، وَالْأَمر فِيهِ أوضح من أَن يحْتَاج إِلَى الإطلالة بإحضار مَا رُوِيَ فِيهِ.
وفقنا اللَّه وَإِيَّاكُم لما يرضيه، وعصمنا من الضَّلَالَة وهدانا لصالح الْأَعْمَال وَحميد الفعال، وَهُوَ الْوَلِيّ الْحَمِيد، الْعلي الْمجِيد.
مَا كَانَ زِيَاد يَقُوله للرجل إِذا ولاه عملا
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِم، عَنْ أبي عُبَيْدة، عَنْ يُونُس، قَالَ: كَانَ زيادٌ إِذا وُلّى رَجُلا عملا قَالَ لَهُ: خُذْ عَهْدك وسر إِلَى عَمَلك، وَاعْلَم أنَّكَ مَصْرُوف رَأس سنتك، وَأَنَّك تصير إِلَى أَربع خلال، فاختر لنَفسك، إِنَّا إِن وجدناك أَمينا ضَعِيفا استبدلنا بك لضعفك، وسلمتك من معرتنا أمانتك، وَإِن وجدناك قَوِيا خائنًا استهنَّا بقوتك، وأحسنَّا عَلَى خِيَانَتك أدبك، وأوجعنا ظهرك، وثقلنا غرمك، وَإِن جمعت علينا الجرمين جَمعنَا عَلَيْك المضرتين، وَإِن وجدناك أَمينا قَوِيا زِدْنَا فِي عَمَلك، ورفعنا ذكرك، وكثرنا مَالك، وأوطأنا عقبك.
[معنى أوطأنا عقبك]
قَالَ القَاضِي: قَول زِيَاد: وأوطأنا عقبك، يُرِيد أَن نشرفك وننوه بك ونرفع من قدرك، فيكثر أتباعك، ويطأ الرِّجَال عقبك، باتبَاعهمْ إياك، وازدحامهم فِي موكبك، وَالْعرب تَقُولُ للرجل إِذا وَصفته بالسؤدد: فلَان موطأ الأعقاب، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute