وَكَانَ ابنَ خَالَته. وَقد كَانَ الصَّحَابَة، رضوَان الله عَلَيْهِم، ربَّما عرض فِيمَا بَينهم بعضُ العَتْبِ وبعضُ مَا يوحش الإخوان فَلَا يخرجهم ذك عَن الْولَايَة إِلَى العدواة.
المجلسُ التسْعُون
مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلصَّالِحِينَ
حدَّثنا طَلْحَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْرَائِيلَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَبُو بْكَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحِمَّانِيُّ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي رُفِعْتُ إِلَى الْجَنَّةِ فَاسْتَقْبَلَتْنِي جاريةٌ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَةُ؟ قَالَتْ: لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَإِذَا بأنهارٍ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وأنهارٍ مِنْ لبنٍ لَمْ يتغيَّر طَعْمُهُ، وأنهارٍ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، وأنهارٍ مِنْ عسلٍ مصفَّى، وَإِذَا رماَّنها كَأَنَّهُ الدِّلاءُ عِظَمًا، وَإِذَا بِطَائِرِهَا كَأَنَّهُ بُخْتُكُمْ هَذِهِ، فَقَالَ عِنْدَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجل أعدَّ للصالحين مَالا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ".
مَكَانَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ
قَالَ الْقَاضِي: قَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضْلِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَفِي أَنَّهُ صَادَفَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَكَانَ مِنْ أبرِّ النَّاسِ بِأُمِّهِ، وَقَالَ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُخْبِرَ بِإِكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى زَيْدًا وَإِسْكَانِهِ جَنَّتَهُ: كَذَلِكُمُ البرُّ كَذَلِكُمُ البرُّ، وَلَنْ يَضِيعَ لأَوْلِيَاءِ اللَّهِ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِحْسَانُهُمْ بِطَاعَتِهِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِطَاعَتِهِ وَالْعِصْمَةَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، إِنَّهُ رؤوفٌ رَحِيمٌ جَوَادٌ كَرِيمٌ.
النَّابِغَة الْجَعْدِي
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد، حَدَّثَنَا أَبُو حاتِم قَالَ، قَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي أَبُو ليلى، واسْمه قيس بن عبد الله بن عُدس، وَقَالَ القحذمي: اسْمه حبَّان بن قيس بن عبد الله بن وَحْوَح بن عُدَس بن ربيعَة بن جعدة بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامِر بن صعصعة، وَكَانَ أسنَّ من النَّابِغَة الذبياني، وَالدَّلِيل على ذَلِكَ قَوْله:
تذكرت والذكرى تهيجُ على الْهوى ... وَمن حَاجَة المحزونِ أَن يتذكّرا
نداماي عِنْد الْمُنْذر بن محرِّقٍ ... أرى الْيَوْم مِنْهُم ظَاهر الأَرْض مقفرا
كهولٌ وفتيانٌ كأنّ وُجُوههم ... دنانيرُ مِمّا شِيفَ فِي أَرض قيصرا
قَالَ: فَهَذَا يدلُّكَ على أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْمُنْذر بن محرق، والنابغة كَانَ مَعَ النُّعْمَان بن الْمُنْذر بن محرق، وَكَانَ النَّابِغَة غبر ثَلَاثِينَ سنة لَا يتَكَلَّم، ثُمَّ تكلّم بالشعر، وَمَات وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة بأصبهان، وَكَانَ ديوانه بِهَا، وَهُوَ الَّذِي يَقُول:
فَمن يَك سَائِلًا عنّي فإنّي ... من الشبّان أيّام الْخُنَانِ
وأيّام الخنان كَانَت أَيَّامًا فِي الْعَرَب قديمَة لداءٍ هاج فيهم:
مَضَت مائةٌ لعامَ ولدتُ فِيهِ ... وعشرٌ بعد ذاكَ وحجّتانِ