للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَى عصبَة أما النهارَ فإنَّهم ... هم الأسدُ أسدُ البأسِ عندَ التهايجِ

وأمّا إِذا مَا الليلُ جنَّ فإنَّهم ... قيامٌ كأنواحِ النِّسَاء النواشجِ

ينادونَ بالتحكيم لله إنَّهم ... رَأَوْا حُكْمَ عمروٍ كالرياح الهوائج

وَحكم ابْن قيسٍ قبل ذاكَ فأُعْصِمُوا ... بحبلٍ شديدِ الفتلِ لَيْسَ بناهج

تَفْسِير الولائج وفالج وناهج

قَالَ القَاضِي: قَوْله " علم الولائج " أَي الدخائل من ولج أَي دخل، قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: " وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّه وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً " " التَّوْبَة: ١٦ " أَي دخلةً يستبطنونَها تخَالف مَا يُظْهِرونَه من إيمانِهم، وَقَوله: " غير فالج " أَي غير مُصِيب ظافر فائز قد فَلَجَتْ حجَّته. وأمّا قَوْله: " كأنواح النساءِ " فقد فسَّرناه فِي مجلسٍ قبل هَذَا. وأمّا: " لَيْسَ بناهجِ " أَي لَيْسَ ببالٍ مُخْلق، يُقال: قد أنْهَج الْبُرْدُ وغيرهُ من الثِّيَاب إِذا صارَ كَذَلِك، كَمَا قَالَ سُحَيْم عبدُ بني الحسحاس.

وَمَا زالَ بُرْدي طيبا من ثِيَابهَا ... إِلَى الحولِ حَتَّى أنْهَجَ البردُ بَالِيًا

خطْبَة لعمر بن عبد الْعَزِيز

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَرَفَةَ الأَزْدِيُّ عَنِ ابْنِ أُخْتِ أَبِي الْوَزِيرِ عَنِ الْمَدَائِنِيِّ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ النَّاسَ بِخُنَاصِرَةَ فَقَالَ، بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ: أيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الأَمَانُ عِنْدَ اللَّهِ غَدًا لِمَنْ بَاعَ قَلِيلا بِكَثِيرٍ، فَنَظَرَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ وَحَاسَبَهَا فِي يَوْمِهِ قَبْلَ غَدِهِ، فَإِنَّ السَّعِيدَ مِنْكُمْ مِنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَالسَّلامُ.

بَين الْمُؤلف وجَمَّال

قَالَ القَاضِي: رأيتُ شَيخا جَمَّالا بالنهروان سنة سِتّ عشرَة وثلاثمائة بِيَدِهِ خُطَامُ بعيرٍ يقودُهُ وَهُوَ يترنَّم بِأَبْيَات، فاستحسنت إنشادها وهششتُ لَهُ، فقربت مِنْهُ فَقلت لَهُ: مَا اسْمك؟ قَالَ: خصيب، قلت: ابْن من أَنْت؟ فانتسب إِلَى أبٍ نسيتُ اسْمه، فَقلت لَهُ: هَلْ كتبتَ شَيْئا من الْعلم وَالْأَدب أم عنْدك شيءٌ من الحَدِيث؟ فَقَالَ: قد سمعتُ كثيرا، فقلتُ: أتحفظُ مِنْهُ شَيْئا تملّهُ عليّ، وَكَانَ معظمُ حِرْصِي على ذَلِكَ من أجل اسْمه، فَقَالَ لي: كتبتُ مِمَّا ذكرت شَيْئا كثيرا وَلم يبْق عِنْدِي مِنْهُ شَيْء، وَمَا أحفظُ مِمَّا سمعته شَيْئا إِلَّا هَذِه الأبيات الَّتِي تسمعني أترنَّم بِهَا، فَإِن شَيخا بخراسان أملاها عليَّ وَزعم أنَّها لأبي الْعَتَاهِيَة.

فَسَأَلته إملاءها عليَّ، فأنشدني، ثُمَّ وَجدتهَا فِيمَا يعزى إِلَى أبي الْعَتَاهِيَة م الشّعْر وَهِي:

يَا ربّ سلمٍ أضرَّ من حَرْبِ ... وَرب عذرٍ أشدَّ من عَتْبِ

وَرب بعدٍ بِهِ عَن الذَّنب يَك ... فِي المرءَ من لومه عَن الذَّنب

وَرُبمَا كَانَ فِي التبسم والإقبا ... ل مَا لَا يكونُ فِي الضَّرب

<<  <   >  >>