للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ستجدها فِي جملَة نسائها، قَالَ: فمضيت فَلَمّا بصرت بِي من بعيد سَفَرتْ عَنْ وَجههَا، وأنشأت تَقول:

رَيْبُ الزَّمَان وصَرْفُهُ ... مُعْتَادةٌ كشف القناعا

أذلّ بعد الْعِزّ منا ال ... صَعب والبَطَل الشُّجَاعا

وَلكم نصحتُ فَمَا أطع ... ت وَكم حَرَصْتُ بِأَن أطاعا

فَأبى بِنَا الْمِقْدَار إِلَّا ... أَن نقتسم أَوْ نُباعا

يَا لَيْت شعري هَلْ ترى ... يَوْمَا لفُرْقتنا اجتماعا

قَالَ: ثُمَّ بَكت حَتَّى علا صَوتهَا وضرت بِيَدِهَا عَلَى الْأُخْرَى، وَقَالَت: يَا أَبَا شهَاب إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، كَأَنِّي وَالله كنت أرى مَا أرى، فَقلت لَهَا: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَجه بِي إِلَيْكَ وَمَا ذَاك إِلَّا لجيل رَأْيه فِيك، فَقَالَ: هَلْ لَك أَن توصل لي رقْعَة إِلَيْهِ، قلت: فدفعَتْ إليَّ رقْعَة فِيهَا:

قل للخليفة وَالْإِمَام الْمُرْتَضَى ... ابْن الخلائف من قُرَيْش الأبطحِ

عَلَم الْهُدى وسِرَاجه ومَنَاره ... مِفتاحُ كُلِّ عظيمةٍ لَمْ تفتحِ

بك أصلح اللَّه الْبِلَاد وَأَهْلهَا ... بَعْدَ الْفساد وَطَالَ مَا لَمْ تصلح

فتزحزحت بك هَضْبَةُ العَرَب الَّتِي ... لولاك بَعْدَ اللَّه لَمْ تَتَزَحْزَحِ

أَعْطَاك رَبك مَا تحبُّ فأعطه ... مَا قَدْ يُحِبُّ وجدُ بعفوك وَاصْفَحْ

يَا بهجة الدُّنْيَا وَبدر مُلُوكها ... هَب ظَالِميَّ ومُفْسِدِيّ لُمْصِلحي

قَالَ: فَأخذت الرقعة وصرت بهَا إِلَى المعتضد، فَلَمّا قَرَأَهَا ضحك، وَقَالَ: لَقَدْ نصحت لَوْ قُبل مِنْهَا فَأمر أَن تحمل إِلَيْهَا خَمْسُونَ ألف دِرْهَم وَخَمْسُونَ تَخْتًا من الثِّيَاب، وَأمر بِأَن يحمل مثل ذَلِكَ إِلَى مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عِيسَى.

حكم مَا بَعْدَ لَوْلَا من الضَّمِير الْمُتَّصِل

قَالَ القَاضِي: قَول أم الشريف لَهُ فِي هَذَا الشّعْر:

لولاك بَعْدَ اللَّهِ لَمْ تَتَزَحْزَحِ

جَائِز عِنْدَ جَمِيع مُتَقَدِّمي النُّحاة ومتأخريهم، كُوفِيِّهم وبصريهم غلا أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يزِيد فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُجِيزهُ ويطعن فِيمَا ورد فِي الشِّعر مِنْهُ، وينسُب قَائِله إِلَى الشذوذ ومفارقة السماع وَالْقِيَاس، وَمِمَّا جَاءَ فِي الشّعْر من هَذَا قَول ابْن أم الحكم:

وَأَنت امرؤٌ لولايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى ... بأجرامه مِن قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي

وَقَالَ آخر:

<<  <   >  >>