للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يهونُ عَلَينَا أَن نَظَلَّ نهَارَنا ... إِلَى اللَّيْل لَا أُولَى نُصَلِّي وَلا عَصْرا

وللوليد فِي هَذَا النَّحْو من الخلاعة والمجون وسخافة الدّين مَا يطول ذكره، وَقَدْ ناقضناه فِي أَشْيَاء من منظوم شعره والمتضمن رَكِيك ضلاله وكفره، وَمَا لَعَلَّنَا نُورده فِيمَا نستقبله من مجَالِس فِي كتَابنَا هَذَا.

حكم الْوَادي يضطرب أَمَام الْوَلِيد

حَدَّثَنَا المظفَّر بْن يحيى بن أَحْمد الْمَعْرُوف بَان الشرابي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس المرثدي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق الثَّلْجِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ حَكَم الْوَادي، قَالَ:

قَالَ الْوَلِيد بْن يَزِيد بْن عَبْد الْملك لجلسائه من المغنيين: إِنِّي لأشتهي غناء أطول من أهزاجكم وأقصر من الْغناء الطَّوِيل، قَالُوا جَمِيعًا: قَدْ أصبته يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين، بِالْمَدِينَةِ رَجُل يُقَالُ لَهُ: مَالك بْن أَبِي السَّمْح الطَّائِي حَلِيف لقريش وَهَذَا غناؤه، وَهُوَ أحسن النّاس خلقا وَأَحْسَنهمْ حَدِيثا، قَالَ: أرْسلُوا إِلَيْهِ، فَأرْسل إِلَيْهِ فشخص حَتَّى وافاه بِالشَّام بِدِمَشْق.

قَالَ: فَلَمَّا دَخَلنَا فِي وَقت النَّبِيذ دخل مَعنا، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد: غَنِّه، فَانْدفع يضْرب فَلم يطاوعه حلقه وَلَم يصنع قَلِيلا وَلا كثيرا، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد: قُم فَاخْرُج.

قَالَ: وَأَقْبل علينا يعنفنا، وَيَقُولُ: مَا تزالون تُغْرُوني بِالرجلِ وتزعمون أَن عِنْده بعض مَا أشتهيه حَتَّى أُدْخِلَه وأُطْلِعَه عَلَى مَا لَمْ أكن أُحِبَّ أَن يَطَّلِع عَلَيْه أحد، ثُمّ لَا أجد عِنْده مَا أُرِيد. فَقُلْنَا: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين! واللَّه مَا كذبنَا وَلَكِن عَسى الرَّجُل قَدْ تغيَّر بَعدنَا، قَالَ: وَلَم نزل بِهِ حَتَّى استرسل وَطَابَتْ نَفسه وغنّيْناهُ حَتَّى نَام، ثُمّ انصرفنا فَجعلنَا طريقنا على مَالك، فافترينا عَلَيْهِ وكدنا نتناوله، قَالَ: فَقَالَ: وَيحكم! دخلتني لَهُ هيبةٌ منعتْني من الْغناء وَمن الْكَلَام لَو أردته، فأعيدوني إِلَيْهِ فَإِنِّي أَرْجُو أَن يرجع إليّ حلقي وغنائي.

قَالَ: فكلمنا الْوَلِيد فَدَعَا بِهِ، فَكَانَ فِي الثَّانِيَة أَسْوَأ حَالا مِنْهُ فِي الأولى فصاح بِهِ أَيْضا فَخرج، وَفعلنَا كفعلنا، قَالَ: فَقَالَ: أعيدوني إِلَيْهِ فامْرَأَتُهُ طَالِق وَمَا يَمْلك فِي سَبِيل اللَّه إِن لَمْ أستنزله عَنْ سَرِيره إِن هُوَ أنصفني، قَالَ: فَجِئْنَا إِلَى الْوَلِيد، قَالَ: فَأَخْبَرنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ: وَعلي مثل يَمِينه إِن هُوَ لم يستنزلني أَن أُنَفِّذَ فِيهِ مَا حَلَف بِهِ فَهُوَ أَعْلَم.

قَالَ: فأتيناه فَأَخْبَرنَاهُ بمقالة الْوَلِيد وَيَمِينه، قَالَ: قَدْ قبلت، قَالَ: فحضرنا مَعَه دَارا نَكُون فِيهَا إِلَى أَن يَدعِي بِنَا، فمرّ بِهِ صَاحب الشَّرَاب فَأعْطَاهُ دِينَارا عَلَى أَن يأتيَهُ بقدحٍ حَبَشَانِي مملوءٍ شرابًا من شراب الْوَلِيد، فَأَتَاهُ بقح ثمَّ بقدح ثُمّ بقدح، بِثَلَاثَة أقداح، فَأعْطَاهُ ثَلَاثَة دَنَانِير ثُمّ أدخلْنَاهُ عَلَيْه، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد: هَات، فَقَالَ: لَا، وَالله أوترجع إِلَيّ نَفسِي وأضطرب وَأرى للغناء موضعا، قَالَ: فَذَاك لَك، قَالَ: فَاشْرَبْ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: فَشرب وَجعل يشرب ويغني المغنون، حَتَّى إِذا ثمل الْوَلِيد وثمل هُوَ سل صَوتا فَأحْسن وَجَاء بِمَا يغرب، فطربنا وطرب الْوَلِيد وتحرك، وقَالَ: اسْقِنِي يَا غُلام فسُقِي

<<  <   >  >>