فَخَصَّهُ بِخِطَابِهِ وَهُوَ يُرِيدُ غَيْرَهُ، تَشْرِيفًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ، وَدَلالَةً عَلَى خَطَرِ مَا ذَكَرَهُ لَهُ، كَمَا خصّه بقوله: " يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء " وَهَكَذَا قَصَّ عَلَيْنَا فِي أَمْرِ غَيْرِهِ مِنْ عِلْيَةِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، فَذَكَرَ تَعَالَى جَدُّهُ فِي السُّورَةِ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا الأَنْعَامَ خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ، قَالَ: " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ ويوسف ومُوسَى وهرون وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كلٌ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ، وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صراطٍ مُسْتَقِيمٍ، ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ".
الْأسد فِي سفينة نوح
وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن المنادين قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو عُثْمَانَ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: لَمَّا أُمِرَ نوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَكَانَ فِيمَا حَمَلَ مَعَهُ الأَسَدُ، فَجَاعَ فَزَأَرَ زَأْرَةً خَافَ أَهْلُ السَّفِينَةِ أَنْ يَأْكُلَهُمْ، فَشَكَوْهُ إِلَى نُوحٍ فَشَكَاهُ نُوحٌ إِلَى اللَّهِ عز وَجل، فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ الْحُمَّى، وَكَانَ نوح يمر بَعْدَ ذَلِكَ فَيَرْكُلُهُ بِرِجْلِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: أَرِنَا مَا أَنْتَ بسرا، قَالَ: فَيَقُولُ: لَهُ الأَسَدُ لَا رَبَّاهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنَادِي، قَالَ لَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَدْ أَكدتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَحْيَى بْنَ معِين فَاسْتَحْسَنَهُ وَاسْتَغْرَبَهُ، وَقَالَ: مَعَ كَثْرَةِ كِتَابَتِي عَنْ عَفَّانَ لَمْ أَكْتُبْ هَذَا، فَأَيْنَ كَتَبْتَ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ؟ فَقُلْتُ: بِالْبَصْرَةِ.
لَا يحب اللَّه من الظُّلم شَيْئا
وَحَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدثنَا الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، لَمَّا أَمَرَ نُوحٌ بِإِخْرَاجِ مَنْ فِي السَّفِينَةِ مَرَّ بِالأَسَدِ، وَقَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْحُمَّى فَضَرَبَهُ لِيُقِيمَهُ، قَالَ: أَبَا يَحْيَى: مَا أَدْرِي بِيَدِهِ أَمْ بِرِجْلِهِ، فَخَمَشَهُ الأَسَدُ فَبَاتَ سَاهِرًا فَشَكَا ذَلِكَ نُوحٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أُحِبُّ مِنَ الظُّلْمِ شَيْئًا.
قَضِيَّة رَجُل يسب السّلف
كُنْت بحلوان سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثلثمائة فاتفق أَن شَيخا كَانَ يُجَالِسُنَا بِهَا مِنْ أَهْلِ الدِّينَوَرِ يُعْرَفُ بِأَبِي الْحَسَن بْن ظُفْرَان ويُؤْنِسُنا، وَكَانَ مُحَدِّثًا قَدْ حلب الدَّهْر أَشْطُره، وخالط الرؤساءَ وَصَحب السّلطان وَتعلق بأربه وَتصرف فِي أَعماله، وَكُنَّا نعجب بمعاشرته وَحَدِيثه، وذُكِر لأبي الْحَسَن بْن طَاهِر الْكَاتِب فَعرفهُ وذُكِر أَن لَهُ ابْنا هُوَ خَلِيفَته وَصَاحبه عَلَى الْبَرِيد وَالْخَبَر بالدِّينَوَر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute