للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " لَا عَدْوَى وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ "، وَكَانَ الْعَرَبُ تَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُعْدِي، فَتَأَوَّلَ قَوْمٌ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِهِ هَذَا الْمَعْنَى وَذَهَبَ بِهِ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ الشَّهْرَ الْمُسَمَّي صَفَرًا، وَإِبْطَالِ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ فِي تَقْدِيمِهِ إِلَى الْمُحَرَّمِ عَلَى مَا كَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِي النَّسِيءِ.

واستقصاء بَيَان هَذَا مرسوم فِي مَوْضِعه، فَأَما الصَّفَر فِي بَيت مُزَرّد وَفِي الْبَيْت الَّذِي استشهدنا بِهِ، فَإنَّهُ الدَّاءُ الَّذِي وَصَفْناه دون غَيره.

وَأما قَوْله: فَإِن كُنْت غرثانًا فَإنَّهُ من الغَرْث، وَهُوَ الْجُوع، يُقَالُ: رَجُل غَرْثَانُ أَيّ جَائِع، وَامْرَأَة غَرْثَى، مثل غَضْبان وغَضْبَى، قَالَ الْأَعْشَى:

تَبِيتُونَ فِي المَشْتَى مِلاءً بُطُونكُمْ ... وجَارَاتكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا

وتروي غُرٌّ مَكَان غرثى، وقَالَ حَسَّان بْن ثَابِت:

حصانٌ رزانٌ مَا تَزنُّ بريبةٍ وتُصَبح غَرْثَى من لُحُوم الغَوافِلِ

رَدٌّ عَلَى عِتاب

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يَزِيد المهلبي، قَالَ: سَمِعت هبة الله ابْن إِبْرَاهِيم بْن الْمهْدي، يَقُولُ: كتب أَبِي إِلَى بعض من عتب عَلَيْه فِي شَيْء: لَو عرفتَ الْحُسْن لتجنبتَ الْقَبِيح، وَلَو اسْتَحْلَيْتَ الْحِلْم لاسْتَمْرَرْتَ الخَرقَ، وَأَنا وَأَنت كَمَا قَالَ زُهَيْر:

وَذي خطلٍ فِي القَوْل يُحْسَبُ أَنَّهُ ... مصيبٌ فَلم يُلْمِمْ بِهِ فَهُوَ قَائِله

عَبَأْتُ لَهُ حِلمي وأكرمتُ غَيْرَه ... وأعرضتُ عَنْهُ وَهُوَ بادٍ مقاتِلُهُ

وَإِن من إِحْسَان اللَّه تَعَالَى إِلَيْنَا وإساءتك إِلَى نَفسك أَنَّا أمْسَكْنا عَمَّا تعلم، وقلتَ مَا لَا تعلم، وَتَركنَا الْمُمكن وتناولتَ الْمُعْجِز.

أشعب يَتُوب عَنْ لحم الجداء

حَدَّثَنَا المظفَّر بْن يحيى بْن أَحْمَد الْمَعْرُوف بِابْن الشرابي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس الرثدي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق الطَّلْحي، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّد عِيسَى بْن عُمَر بْن عِيسَى التَّيْميّ، قَالَ:

كَانَ زيادُ بْن عَبْد اللَّه الْحَارِثِيّ خَال أَبِي الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤْمِنِين واليًا لأبي الْعَبَّاس عَلَى مَكَّة، فَحَضَرَ أشعب مائدته فِي أناسٍ من أَهْل مَكَّة، وَكَانَت لزياد بْن عَبْد اللَّه الْحَارِثِيّ صَحْفَة يُخَصُّ بهَا، فِيهَا مضيرةٌ من لحم جديٍ، فَأتى بهَا فَأمر الغلامَ أَن يَضَعهَا بَيْنَ يَدي أشعب وَهُوَ لَا يدْرِي أَنَّهَا المضيرة، فَأكلهَا أشعب، يَعْنِي أَتَى على مَا فِيهَا، فاستبطأ زِيَاد بْن عَبْد اللَّه المضيرة، فَقَالَ: يَا غُلام! الصحفة الَّتِي كُنْت تَأتِينِي بهَا، قَالَ: قَدْ أتيتُ بهَا - أصلحك اللَّه - فأمرتني أَن أضعها بَيْنَ يَدي أَبِي الْعَلاء، قَالَ: هَنَّأ اللَّهُ أَبَا الْعَلاء وَبَارك لَهُ، فَلَمَّا رُفِعت الْمَائِدَة، قَالَ: يَا أَبَا الْعَلاء - وَذَلِكَ فِي اسْتِقْبَال شهر رَمَضَان - قَدْ حضر

<<  <   >  >>