للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: مَا لَهُ قطع اللَّه لِسَانه حمل النّاس عَلَى الْبُخْل، فَهَلا قَالَ:

فَلا الْجُودُ يُفْنى المالَ قَبْلَ فنائه ... وَلَا الْبُخْل فِي مَال الشّحيح يزيدُ

فَلا تلتمسْ مَالا بعيشِ مُقَتِّر ... لَك غدٍ رزقٌ يعودُ جديدُ

ألم تَرَ أَن المَال غادٍ ورائحُ ... وَأَن الَّذِي يعطيكَ غَيْر بعيدُ

وَلَقَد أحسن حَاتِم فِي قَوْله: وَأَن الَّذِي يعطيكَ غَيْر بعيدِ وَلَو كَانَ مُسلما لرجي لَهُ بِمَا أَتَى من هَذَا مَا يغتبطه فِي معاده، وَقد أَتَى كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا الْمَعْنى بِمَا يعجز المخلوقون عَنْ مساواته، قَالَ اللَّه تَعَالَى ذكره: " وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ "، وَقَالَ جلّ ثَنَاؤُهُ: " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَة الدَّاعِي إِذا دعان ".

الْعَبَّاس بْن الْأَحْنَف يُؤْتى بِهِ لَيْلًا لإجازة بَيت

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن أبي سَعْد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن الرّبيع، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْض أَصْحَابنَا، قَالَ: صنع الرشيد ذَاتَ لَيْلَة بَيْتا واضطرب عَلَيْهِ الثَّانِي، فَقَالَ: عليّ بِالْعَبَّاسِ بْن الْأَحْنَف، فأُتي بِهِ فِي جَوف عَلَى حَال من الذُّعْر عَظِيمَة، فَقَالَ لَهُ الرشيد: لَا تُرَعْ، قَالَ: وَكَيف لَا يكون ذَلِكَ؟ وَقد طرقتُ فِي منزلي فِي مثل هَذَا الْوَقْت فَلم أخرج من منزلي إِلَّا والراعبة فِيهِ، وَأَهلي لَا يشكُّون فِي قَتْلِي، فَقَالَ: إنّما أحضرتُك لبيت قلته صَعُب عليّ أَن أُشْفِعَهُ بِمِثْلِهِ، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ:

جنانٌ قَدْ رأيناها ... فَلَمْ نَرَ مَثْلَهَا بَشَرًا

فَقَالَ الْعَبَّاس:

يَزِيدُك وَجْهُها حُسْنا ... إِذَا مَا زِدْته نَظَرَا

إِذَا مَا اللَّيْلُ جَنَّ عَلَيْ ... كَ بالإِظْلام واعْتَكَرَا

ودَجَّ فَلم تَرَ قَمَرا ... فَأبْرِزْها ترى قمرا

فَقَالَ الرشيد: أقل مَا يجب عَلَيْنَا أَن ندفع إِلَيْكَ دينك إِذْ نزل بك هَذَا الروع بعيالك منا. فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَصَرفه.

فِي صلَة هَذَا الْخَبَر

حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْغلابِي، قَالَ: سُئِلَ ابْن عَائِشَة عَنْ أشعر الْمُحدثين، قَالَ: الَّذِي يَقُولُ:

كَأَن ثِيَابه أطلع ... ن من أَزْرَارِه قَمَرا

قَالَ أَبُو بَكْر الصُّولي: فَأخذ هَذَا الْمَعْنى أَحْمَد بْن يحيى بْن الْعرَاق الْكُوفِي فَقَالَ:

بَدَا وكَأنّمَا قمرٌ ... عَلَى أزْرَارهِ طَلَعَا

<<  <   >  >>