للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعلت لَهُ شربًا دَائِما، وَيُقَال أسقيته إِذَا دَعَوْت لَهُ بالسُّقيا.

كَمَا قَالَ ذُو الرومة:

وَقَفَتْ عَلَى ريعٍ لميَّةَ نَاقَتِي ... فَمَا زلتُ أبْكِي عِنْدَهُ وأخاطبه

وأسقيه حَتَّى كَاد ممّا أبثُّه ... تكلمني أحجاره وملاعبه

وَيُقَال: سقيته فَشرب، وأسقيته جعلت لَهُ مَاء وسقيا.

قَالَ الْخَلِيل: سقيته مثل كسوته وأسقيته مثل ألبسته، ولاستقصاء الْكَلَام فِي هَذَا وَفِي هَاتين اللغتين وَهل هما بِمَعْنى وَاحِد أَوْ بمعنيين، وَفِي مَا اخْتلف نسخ كتاب سِيبَوَيْهٍ فِيهِ من التَّفْسِير والتمييز لَهُ، وَفِي اخْتِلَاف الْقِرَاءَة بِمَا أَتَى مِنْهُ فِي مواضيع من الْقُرْآن مُتَّفق اللَّفْظ أَوْ مختلفُه فِي مَوَاضِع مُخْتَلفَة كَقَوْلِه: " نسقيكم مِمَّا فِي بطونها " بِالْفَتْح فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى أَنَّهُ من سَقَى يُسْقِي بِالضَّمِّ من لُغَة من قَالَ: أسْقَى يُسْقِي، وَفِي تَفْرِيق من فَرّق بَيْنَ الْقِرَاءَة فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ وَبَينهَا فِي قَوْله: " وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أنعاماً " وَجمع من جمع فِي الْفَتْح وَالضَّم طولٌ يتَجَاوَز حدّ مَا قصدناه بكتابنا هَذَا وَبَيَانه فِي مَوَاضِع من كتبنَا فِي عُلُوم الْقُرْآن.

معنى الْفِتْنَة

وللفتنة وُجُوه مِنْهَا الصّرْف عَنِ الشَّيء وَمِنْه هَذَه الْكَلِمَة، وأفتنته مثل حزنته، وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أنَّ من قَالَ: فتنته أَرَادَ جعلت فِيهِ فتْنَة، وَمن قَالَ: أفتنته أَي جعلته فاتنًا، يُقَالُ وَفتن الرَّجُل فَهُوَ فاتن، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَزعم الْخَلِيل أنَّكَ حَيْث قلت فتنته وحزَنته لَمْ تُرِدْ أنَّ تَقول جعلتُه دَاخِلا، وَلَكِنَّك أردْت أنَّ تَقول جعلتُ فِيهِ حُزْنًا وفتنة، فَقلت فتْنَة كَمَا قلت كحلته جعلت فِيهِ كُحلا، ودهنته جعلت فِيهِ دُهْنًا، وَقَالَ الْجرمي: سَمِعت أَبَا زَيْدُ يَقُولُ: حَزَنَني الْأَمر حُزْنًا وحَزْنا وَأَنا حَزِين ومَحْزون، وَهَذَا مثل: جريح ومجروح وقتيل ومقتول، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: كلهم يَقُولُ: أحزنني الْأَمر فَإِذا صَار إليَّ يفعل فَفِيهَا لُغَتَانِ، يَقُولُ قَوْمٍ: يحزنني عَلَى غَيْر قِيَاس، وَيَقُول قَوْمٍ: يحزنني عَلَى قِيَاس، وأمّا الْقُرَّاء فَلم يزدْ فِي هَذَا عَلَى أَن ذَكَرَ فِي حزن يحزن وأحزن يحزن لغتين.

وَقد اخْتلفت الْقِرَاءَة فِي اللَّفْظ بِهَذِهِ الْكَلِمَة فِي الْقُرْآن، فَكَانَ أَبُو جَعْفَر الْمدنِي يقْرَأ لَا يحزنك الدَّين، وَإنَّهُ ليحزنك، وأيها الرَّسُول لَا يحزنك الدَّين، وَإِنِّي ليحزنني أَن تذْهبُوا بِهِ، ويستمرّ عَلَى هَذَا فِي الْقُرْآن كُله إِلَّا فِي قَوْله: وَلَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر، فَإِنَّهُ يضم الْيَاء فِيهِ، وأمّا نَافِع فعلى عكس هَذَا الْمَذْهَب لأنَّه ضم مَا فَتحه أَبُو جَعْفَر فِي هَذَا الْبَاب وَفتح مَا ضمه، وَكَانَ ابْن مُحَيْصِن يضم ذَلِكَ كُله، وَكَانَ الْجُمْهُور من الْقُرَّاء بعده يفتحون الْجَمِيع وَفِي استقصاء هَذِه الْمَعْنى وَذكر مَا يتَّصل لَهُ لتفريق من فرق بَيْنَ بعضه وَبَين بَعْض، والاحتجاج فِيمَا اخْتلف المقرئون فِيهِ مَوَاضِع جمة من كتبنَا فِي عُلُوم الْقُرْآن، نأتي عَلَى الْبَيَان عَنْهُ إِن شَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

<<  <   >  >>