للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَمَدَ إِلَى ذَلِكَ الْخَبِيصِ وَمَا كَانَ هَيَّأَ فَعَكَسَ بَعْضَهُ عَلَى بعض وَقَالَ: أعتدك شَيْءٌ آخَرُ؟ قَالَ: نَعَمْ عِنْدَنَا بَقْلٌ وَشِوَاءٌ، قَالَ: إِيتِنِي بِهِ، فَأَخَذَهُ فَخَلَطَ الشِّوَاءَ بِالْخَبِيصِ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَجَعَلَ يَحْمِلُ بِيَدَيْهِ وَيَجْعَلُهُ عَلَى الأَنْطَاعِ.

قَالَ طَلْحَةُ فَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: فَأَمْلَيْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَزَادَنِي فِيهِ، قَالَ فَقَالَ النَّبَطِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا الطَّعَامَ لَا يُؤْكَلُ هَكَذَا، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: وَيْلٌ لَكَ وَلأَصْحَابِكَ إِذَا جَاءَ مَنْ يُحْسِنُ يَأْكُلُ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ النَّاسَ، فَجَاءُوا فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ وَأَقْبَلُوا يَأْكُلُونَ، فَرُبَّمَا وَقَعَتِ اللُّقْمَةُ مِنَ الْخَبِيصِ فِي فَمِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا طَعَامٌ مَا رَأَيْنَاهُ، فَيَقُولُ عُمَرُ: وَيْلُكَ أَمَا تَسْمَعُ؟ كَيْفَ لَوْ رَأَوْا مَا رَأَيْتَ؟!

فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ النَّبَطِيُّ لِمُعَاوِيَةَ: إِنَّ الأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ قَدِ اجْتَمَعُوا، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَخْلاقٌ وَسِخَةٌ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَخْدَعَهُ حَتَّى يَنْزِعَهَا وَيَلْبَسَ ثِيَابًا حَتَّى يَقْضِيَ جُمْعَتَهُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَمَّا أَنَا فَلا أَدْخُلُ فِي هَذَا بَعْدَ إِذْ نَجَوْتُ مِنْهُ أَمْسِ، فَقَالَ لَهُ النَّبَطِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثِيَابُكَ قَدِ اتَّسَخَتْ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعْطِينَاهَا حَتَّى نَغْسِلَهَا وَنَرَمُّهَا، قَالَ: نَعَمْ، فَغَسَلَ الثِّيَابَ وَتَرَكَهَا فِي الْمَاءِ، ثُمَّ هَيَّأَ لَهُ قَمِيصًا مَرَوِيًّا وَرِدَاءً قَصَبِيًّا فَلَمَّا حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ قَالَ لَهُ عُمَرُ: إِيتِنِي بِثِيَابِي، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا جَفَّتْ، وَنَحْنُ نُعِيرُكَ ثَوْبَيْنِ حَتَّى تَقْضِيَ جُمُعَتَكَ، فَقَالَ: أَرِنِي، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْقَمِيصِ قَالَ: وَيْحَكَ كَأَنَّمَا رُفِيَ هَذَا رَفْوًا، أَغْرِبْهُمَا عَنِّي وَائْتِنِي بِثِيَابِي، فَجَاءَ بِهَا تَقْطُرُ، فَجَعَلَ يَتَنَاوَلَهَا، وَجَعَلَ النَّبَطِيُّ يَأْخُذُ بِطَرَفِ الثَّوْبِ وَعُمَرُ بِالطَّرَفِ الآخَرِ وَيَعْصِرُهَا، ثُمَّ دَعَا بِكُرْسِيٍّ مِنْ كَرَاسِيِّ الْكَنِيسَةِ فَقَامَ عَلَيْهِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَيَمْسَحُ ثِيَابَهُ وَيُمَدِّدُهَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ أَيُّ شيءٍ كَانَتْ ثِيَابُهُ؟ قَالَ: غَزْلُ كتانٍ. قَالَ: وَجَاءَتِ الرُّهْبَانُ فَقَامُوا وَرَاءَ النَّاسِ وَعَلَيْهِمُ الْبَرَانِسُ تَبْرُقُ بَرِيقًا، وَمَعَهُمْ عِصِيٌّ فِيهَا تُفَّاحُ الْفِضَّةِ، وَمَعَهُمُ الْمَوَاكِبُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى هَيْئَتِهِ قَالُوا: أَنْتُمُ الرُّهْبَانُ!! لَا وَالله، وَلَكِنْ هَذِهِ الرَّهْبَانِيَّةُ، مَا أَنْتُمْ عِنْدَهُ إِلا مُلُوكٌ.

مشاطرة السكان بِدِمَشْق مَنَازِلهمْ

قَالَ: ثُمَّ ارتحل عمر حَتَّى أَتَى دمشق فشاطرهم مَنَازِلهمْ وكنائسهم، وَجعل يَأْخُذ الحيز القبلي من الْكَنِيسَة لمَسْجِد الْمُسلمين لِأَنَّهَا أنظف وَأظْهر، وَجعل يَأْخُذ هُوَ بِطرف الْحَبل وَيَأْخُذ النبطي بِطرف الْحَبل حَتَّى شاطرهم مَنَازِلهمْ، قَالَ: فَرُبمَا أزحف فَأخذ الْحَبل مِنْهُ فأعقبه. ففرغ عمر من دمشق وحمص وَبعث أَبَا عُبَيْدَة إِلَى قنسرين وحلب ومنبج، فَفعل بهَا كَمَا فعل عمر، وَرجع عمر من حمص إِلَى الْمَدِينَة.

عِيَاض بْن غنم وَصلح الرها

قَالَ: فَلَمَّا نزل أَبُو عُبَيْدَة منبج بعث عِيَاض بْن غنم فِي عشْرين فَارِسًا فَأتى الرها وَقد اجْتمع بهَا أهل الجزيرة من الأنباط، فَأَتَاهَا ابْن غنم فَوقف عِنْد بَابهَا الشَّرْقِي على فرس

<<  <   >  >>