ذَكَرَ لِيَسْتَمْتِعَ بِهِ الْمَسْلِمُونَ فِي شِتَائِهِمْ هَذَا، ثُمَّ تَقَدَّمُ أَنْتَ فَتَكُونُ الَّذِي يَفْرِضُ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَبُو عُبَيْدَةَ أَصْدَقُ عِنْدَنَا مِنْكَ، فَقَالَ قُسْطَنْطِينُ: صَدَقَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَكَذَبْتُ أَنَا، قَالَ: فَوَيْحَكَ، مَا أَرَدْتَ بِمَقَالَتِكَ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَخْدَعَكَ، وَلَكِنْ أَفْرِضْ عَلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ الآنَ، قَالَ: فَجَاثَاهُ النَّبَطِيُّ مُجَاثَاةَ الْخَصْمِ عَامَّةَ النَّهَارِ، فَفَرَضَ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْوَسَطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وعَلى الْمُفلس المدقع اثْنَيْ عَشَرَ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ أَنْ يُشَاطِرَهُمْ مَنَازِلَهُمْ وَيَنْزِلَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ، وَعَلَى أَنْ لَا يَضْرِبُوا بِنَاقُوسٍ، وَلا يَرْفَعُوا صَلِيبًا إِلا فِي جَوْفِ كَنِيسَةٍ، وَعَلَى أَنْ لَا يُحْدِثُوا إِلا مَا فِي أَيْديهم، وعَلى أَن لَا يقرُّوا خِنْزِيرًا بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى أَنْ يُقْرُوا ضَيْفَهُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَعَلَى أَنْ يَحْمِلُوا رَاجِلَهُمْ مِنْ رستاقٍ إِلَى رُسْتَاقٍ، وَعَلَى أَنْ يُنَاصِحُوهُمْ وَلا يَغِشُّوهُمْ، وَعَلَى أَنْ لَا يُمَالِئُوا عَلَيْهِمْ عَدُوًّا، فَمَنْ وفى لنا وَفينَا لَهُ منعناه مِمَّا نمْنَع نمنه نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، وَمَنِ انْتَهَكَ شَيْئًا من ذَلِكَ اسْتَحْلَلْنَا بِذَلِكَ سَفْكَ دَمِهِ وَسِبَاءَ أَهْلِهِ وَمَالِهِ.
فَقَالَ لَهُ قُسْطَنْطِينُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اكْتُبْ لِي بِهِ كِتَابًا، قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ ذَكَرَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنِّي أَسْتَثْنِي عَلَيْكَ مَعُرَّةَ الْجَيْشِ، فَقَالَ النَّبَطِيُّ: لَكَ ثِنْيَاكَ، وَقَبَّحَ اللَّهُ من أقَال:. فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ قُسْطَنْطِينُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قُمْ فِي النَّاس فأعلمهم كتابك لي لِيَتَنَاهَوْا عَنْ ظُلْمِنَا وَالْفَسَادِ عَلَيْنَا، فقالم عُمَرُ فَخَطَبَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغَ: مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ قَالَ النَّبَطِيُّ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُضِلُّ أَحَدًا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، شَيْئًا تَكَلَّمَ بِهِ، فَعَادَ عُمَرُ فِي الْخُطْبَةِ، ثُمَّ أَعَادَ النَّبَطِيُّ الْمَقَالَةَ، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي مَا يَقُولُ، قَالُوا: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِلُّ أَحَدًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ عُدْتَ لأَضْرِبَنَّ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ، وَمَضَى عُمَرُ فِي خُطْبَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ قُسْطَنْطِينُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ فَاقْضِهَا لِي، فَإِنَّ لِي عَلَيْكَ حَقًّا، قَالَ: وَمَا حَقُّكَ عَلَيْنَا؟ قَالَ: إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ لَكَ بِالصَّغَارِ، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكَ إِنْ كَانَ لَكَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ فَعَلْنَا، قَالَ: تَغَدَّى عِنْدِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ، قَالَ: وَيْحَكَ إِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّكَ، قَالَ: وَلَكِنَّهَا مَكْرُمَةٌ وَشَرَفٌ أَنَالُهُ، قَالَ: فَانْطَلِقْ حَتَّى نَأْتِيَكَ، فَانْطَلَقَ فَهَيَّأَ فِي كَنِيسَةِ بُصْرَي وَنُجُدِهَا وَهَيَّأَ فِيهَا الأَطْعِمَةَ وَقِبَابَ الْخَبِيصِ وَكَانُونًا عَلَيْهِ الْمِجْمَرُ، فَلَمَّا جَاءَ عُمَرُ وَأَصْحَابُهُ نَزَلُوا فِي بَعْضِ الْبَيَادِرِ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي وَتَبِعَهُ النَّاسُ وَالنَّبَطِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ بَدَا لِعُمَرَ فَقَالَ: لَا يَتَّبِعْنِي أَحَدٌ، وَمَضَى هُوَ وَالنَّبَطِيُّ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ الْكَنِيسَةَ إِذَا هُوَ بِالسُّتُورِ وَالْبُسُطِ وَقِبَابِ الْخَبِيصِ وَالْمِجْمَرِ، فَقَالَ عُمَرُ لِلنَّبَطِيِّ: وَيْلَكَ، لَوْ نَظَرَ مَنْ خَلْفِي إِلَى مَا هَاهُنَا لَفَسَدَتْ عَلَيَّ قُلُوبُهُمْ، اهْتِكْ مَا أَرَى، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ، قَالَ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَأْكُلَ طَعَامَكَ فَاصْنَعْ مَا آمُرُكَ بِهِ، فَهَتَكَ السُّتُورَ وتزع الْبُسُطَ وَأَخْرَجَ عَنْهُ الْمِجْمَرَ، ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ إِلَى رِحَالِنَا فَأْتِنَا بِأَنْطَاعٍ، فَأَخَذَهَا عُمَرُ فَبَسَطَهَا فِي الْكَنِيسَةِ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute