الْمَجْلِسُ الأَوَّلُ
حَدِيثُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ لِثَلاثِ ليل خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعَ عشرَة وثلاثمائة، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عمر حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده من الناي.
التَّعْلِيق عَلَى الحَدِيث
قَالَ القَاضِي أَبُو الفَرَج: قَوْله عَلَيْهِ السّلام: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آيَة " أَمر لأمته بتبليغ مَا أَتَاهُم بِهِ من وَحي رَبهم، وَيسر الْأَمر عَلَيْهِمْ فِيمَا يبلغونه، ويلقونه، إِلَى مَا بعدهمْ ويؤدونه، ليتصل نقل الْقُرْآن عَنْهُ إِلَى آخر أمته، وَيلْزم حجَّته جَمِيع من انْتهى إِلَيْهِ مِمَّن يَأْتِي بعده، فقد أَتَاهُ الْوَحْي بِمَا أَتَاهُ من قَوْله، " أُوحِي إِلَيّ هَذَا الْقُرْآن لأنذرنكم بِهِ وَمن بلغ " ونظيرُ مَا أَمر بِهِ من التَّبْلِيغ قَوْله فِي خبر آخر: " نَضّر اللَّه امْرَءًا سمع مَقَالَتي فوعاها ثُمَّ أدّاها كَمَا سَمعهَا، فربَّ حامِل فقه غَيْر فَقِيه، وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ " وَقَوله: وَلَو آيَة، فَإِنَّهُ أَتَى عَلَى وَجه التقليل ليسارع كلّ امْرِئ فِي تَبْلِيغ مَا وَقع من الْآي إِلَيْهِ، فيتصل بتبليغ الْجَمِيع أَوْ بعضه نَقله، ويتكامل باجتماعه واستكمال أَدَاؤُهُ.
الْآيَة وَمَا فِيهَا من اللُّغَة والنحو
فَأَما الْآيَة فَفِيهَا من طَرِيق علم اللُّغَة ثَلَاثَة أوجه، وَمن جِهَة صناعَة النَّحْو وَالْإِعْرَاب ثَلَاثَة أضْرب، فأحدُ الْوُجُوه فِيهَا من قِبَلِ اللُّغَة أَنَّهَا العَلامة الفاصلة، وَالْوَجْه الثَّانِي أَنَّهَا لأعجوبة الْحَاصِلَة، وَالْوَجْه الثَّالِث أَنَّهَا الْمثلَة الفاصلة، وَهَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة إِذَا رُدَّت إِلَى أُصُولهَا مُتَقَارِبَة رَاجِعَة فِي الْمَعْنى إِلَى طَريقَة وَاحِدَة، وَجُمْلَة آحادها متناسبة، فَإِذا قيل: اجْعَل لكذا وَكَذَا آيَة، فَالْمَعْنى عَلامَة فاصلة تدل عَلَى الشَّيء بحضورها، وتفقد دلالتها بغيبتها، أَلا ترى إِلَى قَول اللَّه جلّ ثَنَاؤُهُ: " قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً، قَالَ آتِيك أَلا تكلم النَّاس " إِلَى آخر الْقِصَّة فَإِنَّمَا سَأَلَ السَّائِل ربه أَن يَجْعَل لَهُ عَلامَة لمّا وعده وبشره بِهِ، فِي مَا جانس هَذِه ممّا تضمنه كتاب اللَّه عزَّ ذكرهُ، قَالَ الشَّاعِر:
أَلا بلغ لَدَيْكَ بَنِي تَميمٍ ... بآيةِ مَا يُحِبُّون الطعاما
وَقَالَ آخر:
ألِكنْي إِلَيْهَا عَمْرُك اللَّه يَا فَتى ... بآيةِ مَا جاءتْ إِلَيْنَا تَهَادِيَا
وَمثل هَذَا فِي الشّعْر وَسَائِر الْكَلَام كثير.
ولمّا كَانَ ذكر الْآيَة يَعْنِي الأعجوبة فَمِنْهُ مَا ذكره اللَّه عزَّ ذكره فِي مَوَاضِع من كِتَابه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute