للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ " أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: " يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! لَا تَسَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مسألةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مسألةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا ".

وروى عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَحْرِصَنَّ أحدٌ عَلَى الإِمَارَةِ فَيُعْزَلَ ".

وَقَدْ كَانَ سُلَفَاؤُنَا مِنْ علماءِ الْمُسْلِمِين يَنْأون عَنِ الولايات ويمتنعون من ملابستها وَالدُّخُول فِيهَا، ويجانبون أَهلهَا مَعَ دُعَائِهِمْ إِلَيْهَا وإكراههم عَلَيْهَا، حَتَّى إِن مِنْهُم من يتهيَّبُ الْفُتْيا فِي الدِّين، ويَكلُ مُسْتفْتيهِ إِلَى غَيره من الْمُفْتِين، وَلَو ذكرنَا مَا رُوِيَ فِي تَفْصِيل هَذِهِ الْجُمْلَة لأطلنا القَوْل وَالْوَصْف، وملأنا الأجلاد والصحف، وَقَدْ مضى فِي بعض مَا تقدم من مجَالِس كتَابنَا هَذَا من ذَلِكَ طرفٌ، ولعلنا نأتي بِكَثِير من هَذَا الْبَاب فِي المؤتنف، وَبِاللَّهِ نستعين، وَإِلَى اللَّه المشتكى مِمَّا يُرَاد فِي زَمَاننَا هَذَا، من تَقْلِيد السَّفَلَةِ والْجُهالِ السُّخَفاءِ الضُّلال للْأَحْكَام، وإجلاسهم مجَالِس الأئمَّة الْأَعْلَام، مَعَ عَظِيم جهالتهم، وسُقوط عدالتهم، وَفَسَاد أمانتهم، وقُبْح الظَّاهِر وَالْبَاطِن من أَمرهم، واللَّه وليُّ الانتقام مِمَّنْ يطوي فِي هَذَا الْبَاب بِصِحَّة الإِمَام، وَيسْعَى لما يُساق إِلَيْهِ من الْأَحْكَام، فِي هدم شَرِيعَة الإِسْلام، ونستعين اللَّه عَلَى تمكيننا من إِيضَاح هَذَا الْأَمر، وإنهائه إِلَى من إِلَيْهِ الْأَمر، ساسة الْأمة، ومُدَبِّرِي الملَّة، حَتَّى تنكشف لَهُ نصيحة المحقِّين، وفضيلة المحقِّقين، وَيظْهر لَهُ تمويه الْمُمَخْرقين، وَمَا تَنَحَّوْهُ ولبَّسُوه، وتبجحوا فِيهِ ودَنَّسوه، ويوفقه اللَّه جلَّ جَلَاله لتأمله حَقَّ تَأمله، والإصغاء إِلَيْهِ وتقبُّله، ويبسط فِيهِ لِسَانه وَيَده، ويُعلى فِيهِ أمره ونَهْيه، فَينزل كُلّ ذِي منزلةٍ مَنْزِلَته، وَيقف كل امرىءٍ عِنْد انْتِهَاء قدره، اللَّهُمَّ فِبِك نستعين، وَأَنت خير معِين، وَأَنت أرْضى بِمَا نُحِبه، وأكره لما نكرهه، وأقدر عَلَى نصْرَة الْحق وَأَهله، ومَحْق الْبَاطِل وحِزْبِه.

الشكوى من تولي الْجُهَّال الْأَمر

وَقَدْ حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْنِ جَعْفَرٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الأَعْرَابِيُّ، قَالَ: كَانَ مِنْ كَلامِ عَلِيِّ بْن أبي طَالِب عَلَيْهِ السّلام وَكَثِيرًا مَا يَقُولُهُ فِي حُرُوبِهِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ أَرْضَى لِلتَّرَضِيِّ، وَأَسْخَطُ لِلسُّخْطِ، وَأَقْدَرُ عَلَى أَنْ تُغَيِّرَ مَا كَرِهْتَ، وَأَعْلَمُ بِمَا تُقَدِّرُ، وَلا تُغْلَبُ عَلَى بَاطِلٍ، وَلا تَعْجَزُ عَنْ حَقٍّ، وَمَا أَنْتَ بغافلٍ عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ.

ثُمَّ إِنِّي أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِي عَلَى الْوَسَائِطِ الْفُجَّارِ، وَالسُّفَرَاءِ الأَشْرَارِ، وَكُلِّ سَاخِطٍ خَامِلٍ، وَسَفِيهٍ جَاهِلٍ، مِمَّنْ قَدِمَ عَلَى نبيهٍ فَاضِلٍ، وَرُضِيَ بِهِ بَدَلا مِنْ كُلِّ عَالِمٍ عَاقِلٍ، فَهُوَ يَغُرُّ إِمَامَهُ، ويَفْجُرُ أَمَامَهُ وَتَأَمَّلُوا أَيُّهَا الأَلِبَّاءُ قُضَاةَ الْحَضْرَةِ، وَالْعِرَاقَيْنِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، بله أَطْرَاف الْبِلَاد ورسا تيق السَّوَادِ، أَيْنَ هُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِقْهِ الشَّرِيعَةِ؟ وَأَيُّ حَظٍّ لَهُمْ مِنَ الْعَدَالَةِ وَالْعَفَافِ وَالْأَمَانَة؟ وَقد كَانَ الْأَئِمَّة فِيمَا مَضَى رُبَّمَا دَلَّسَ عَلَيْهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ مَنْ هُوَ عَلَى بَعْضِ الصِّفَاتِ الَّتِي قَدَّمَنَا ذِكْرَهَا، فَيَنْتَبِهُ الرَّاقِدُ مِنْهُمْ

<<  <   >  >>