يَوْمًا: أَنا أعلم النَّاس بِكَلَام الْعَرَب، فَسَمعهُ الْأَصْمَعِي فَقَالَ: كَيفَ تنشد هَذَا الْبَيْت:
قد كنَّ يخبأنَ الوجوهَ تستّرًا ... فَالْآن حِين بدأنَ للنظّارِ
أَو حِين بدين؟ قَالَ أَبُو عمر: حِين بدأن، فَقَالَ: أَخْطَأت، فَقَالَ: بدين، فَقَالَ: أَخْطَأت يَا أعلم الناسِ بِكَلَام الْعَرَب، حِين بَدَوْنَ.
القَاضِي يَنْفِي الدَّعْوَى عَن الْجرْمِي، ويُخطئه
قَالَ القَاضِي: أَبُو عمر الْجرْمِي أرفعُ طبقَة عندنَا فِي علم الْعَرَبيَّة من أَن يذهب مثلُ هَذَا عَلَيْهِ، ولكنَّه أجابَ على البديهة، وَترك التبين والرويَّة، فَوَقع فِي خطأ العجلة، وَهُوَ أعلم بالتصريف والأبنية وأمضى فِي معرفَة المهموز والفصل فِي غير المهموز من بَنَات الْوَاو وَبَنَات الْيَاء من الْأَصْمَعِي. وأمّا تخطئة الأ صمعي لَهُ فِي قَوْله بدأن فِي الْبَيْت الَّذِي أنْشدهُ فَهُوَ كَمَا ذكر، وَقد أصابَ فِي تخطئته. وأمّا تَخطئته إيّاه فِي قَوْله بدين فَكَمَا قَالَ أَيْضا، وإنَّما يُقال بدأن بِكَذَا إِذا ابتدأن بِهِ بتحقيق الْهَمْزَة، وبدان بتليين الْهَمْزَة، وبدين على قَلبهَا يَاء حِين أَلْقَاهَا، كَمَا يُقال قَرَأت وقريت، وصحيفة مقروءة على تَحقيق الْهَمْزَة، ومقروَّة على تليينها، ومقراةٌ على الطرح وَالْقلب، وَقد قَرَأَ جُمْهُور القرأة: " أَرَأَيْت " " أرَيْتَ " بالطرح، وَاخْتَارَ الْكِسَائي هَذَا الْوَجْه فَقَرَأَ بِهِ، وَهُوَ معروفٌ فِي الْعَرَبيَّة، وَفِيهِ تَفْرِيق بَين الْخَبَر والاستخبار. وَمن هَذِه اللُّغَة قَول أبي الْأسود الدؤَلِي:
أرَيْتَ امْرَءًا كنتُ لَمْ أبْلُهُ ... أَتَانِي فَقَالَ اتَّخذني خَلِيلًا
وَقَالَ آخر:
أريتِ الآمريكِ بِصَرْم حبلي ... مُرِيهمْ فِي أحبتهم بذاكِ
وَقَالَ آخر:
أريتكَ أَنْ مَنَعْتَ كلامَ ليلى ... أتمنعني على ليلى البكاءَ
وَقَالَ آخر:
أريتَ أَن جَاءَت بِهِ أملودا
معَّما ويلبسُ البرودا
أقائلونَ أحضروا الشهودا
وَهَذَا بَاب مستقصى فِي كتبنَا المرسومة فِي عُلُوم الْقُرْآن.
أَبُو خَليفَة وطفلة تصبو إِلَى زين الورى
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْحَسَن بن زِيَاد الْمقري قَالَ: ألقيت رقعةٌ إِلَى أبي خَليفَة الْفضل بن الْحباب القَاضِي فِيهَا:
قل للحكيم أبي خليفهْ ... يَا زين شيعةِ أبي حنيفهْ
إِنِّي قصدتُكَ للَّذي ... كاتمتُ من حذرٍ وخيفه