أسروه. وأمّا الرمة فالحبل الْبَالِي كَانُوا يشدُّون الْأَمْتِعَة بِهِ، وَمِنْه قَول ذِي الرّمة: أَشْعَث بَاقِي رمَّة التَّقْلِيد وَقيل: إنَّما سُمّي ذَا الرمَّة لقَوْله هَذَا، وَهُوَ غيلَان بن عقبَة، فأمَّا الرِّمَّة بِالْكَسْرِ فالعظمُ الْبَالِي، ويُقال: رمَّ الْعظم يرمّ وَهُوَ رَمِيم، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
والنيبُ إِن تعرُ مني رمَّةً خلقا ... بعد المماتِ فَإِنِّي كنتُ أتَّئر
وَهَذَا من أَبْيَات الْمعَانِي ومعناهُ أَن النيب، وَهِي جمع نَاب، وَهِي النَّاقة المسنَّة، يُقالُ لَهَا ذَلِكَ كَأَنَّهَا لَمْ يبْق مرُّ السنين عَلَيْهَا إِلَّا نابًا كَمَا يُقال فلَان رَأس وَفُلَان بطن، وَمن الناب قَول جرير:
لقد سرَّني أَلا تعدَّ مجاشعٌ ... من المجدِ إِلَّا عَقْرَ نابٍ بِصَوْأَرِ
وَقَالَ أَيْضا:
تعدونَ عَقر النيب أفضلَ مجدكم ... بَني ضوطرى لَوْلَا الكميَّ المقنعّا
قَالَ: كَانَت تأكلُ عظامَ الْمَوْتَى طلبا لموحتها فَقَالَ هَذَا الشَّاعِر: إِن تَعْرُ منّي رمةً خَلَقًا، يريدُ إِن تأكلَ عِظَامِي بعد موتِي، فإنّي كنتُ أتئر أَي آخذ مِنْهَا بِثَأْرِي سلفا فِي حَياتِي، يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَنْحَرهَا للأضياف. وَقَوله: " أتَّئر " افتعل من الثأر وَأَصله اثتئر فقلبت الثَّاء تَاء وأدغمت فِي الَّتِي بعْدهَا، وَكَذَلِكَ مدَّكر أَصله مُذْتكر، ومظلّم أَصله مظتلم. وَلما وَصفنَا من الْقلب عِلّة هِيَ مرسومة فِي موضعهَا. وَمن الْعَرَب من يَقُول أثّتر بالثاء، ومذّكر بِالذَّالِ، ومطّلم بِالطَّاءِ إِلَّا أَن الْمُخْتَار أفْصح فِي الْقيَاس، وَالْأَشْهر فِي الرِّوَايَة مدّكر ومتئر ومظَّلم وَمثله مدّخر ومذّخر، قَالَ زُهَيْر بْن أَبِي سلمي يَمدحُ هرم بن سِنَان:
هُوَ الجوادُ الَّذِي يُعطيكَ نائلةٌ ... عفوا وَيُظْلَمُ أَحْيَانًا فيظَّلم
يُروى على الْوَجْهَيْنِ والظاءُ أشهرهما، وَالْمَشْهُور من الْقُرَّاء فِي قَوْل الله تَعَالَى: " فَهَلْ مِنْ مدَّكر " " الْقَمَر: ١٥، ١٧، ٢٢، ٣٢، ٤٠، ٥١ " الدَّال، وَكَذَلِكَ وَله تَعَالَى: " وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ " " آل عمرَان:٤٩ ".
الْمَجْلِس التَّاسِع والتسعُون
حَدِيثٌ الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاتٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ الْبَزَّازُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَاصِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأَنْبِيَاءُ إخوةٌ لعلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَأَنَا أَوْلَى النَّاس بِعِيسَى ابْن مَرْيَمَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَهُوَ خَلِيفَتِي عَلَى أُمَّتِي، وَهُوَ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ فَإِنَّهُ رجلٌ مربوعٌ يَضْرِبُ إِلَى الْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ، يَكَادُ رَأْسُهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بللٌ، يَمْشِي بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ، يَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَفِيضُ الْمَالَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute