للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يلقى أسدًا إِلَّا افترسه وولغ فِي دَمه، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ كلب، فَسمى عمرا ذَا الْكَلْب، وَأَنا أُخْته الْجنُوب، وبكته فِي شعر تَقول فِيهِ:

وكلّ حَيّ وَإِن طالَتْ سَلامَتُهم ... يَوْمَا طريقهمُ فِي الشَّرِّ مركُوب

أبلغ هُذيلا وخصِّص فِي سَرَاتِهِمُ ... عَنِّي مقَالا وبعضُ القَوْل تكذيبُ

بِأَن ذَا الْكَلْب عمرا خيرهُم نَسَبًا ... بِبَطن شريان يَعْوِي عِنْدَهُ الذِّيبُ

تمشي النسور إِلَيْهِ وَهِي لاهية ... مَشْيَ العذارى عَلَيْهِن الجَلابِيبُ

الطاعنُ الطَّعْنَةَ النَّجْلاءَ يتبعُها ... مُثْعَنْجِرٌ من نَجِيعِ الجَوْفِ أُثْغُوبُ

أَيهمَا أَجود؟

حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن أَحْمَد الْكَلْبِيّ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زَكَرِيّا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن بكار، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْن يزِيد، عَنْ صَالح بْن كيسَان، وحَدثني الْحَسَن بْن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زَكَرِيّا، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن ضحاك، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَام بْن مُحَمَّد، عَنْ عوَانَة، قَالَ: وَفد عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس عَلَى مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان، فَلَمّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق عارضته سَحَابَة فأمَّ أبياتًا من الشِّعرَ، فَإِذا هُوَ بأعرابي قَدْ قَامَ إِلَيْهِ فَلَمّا رَأَى هَيئته وبهاءه، وَكَانَ من أحسن النَّاس شارة وَأَحْسَنهمْ هَيْئَة، قَامَ إِلَى عُنَيْزة لَهُ ليذبحها فجاذبته امْرَأَته ومانعته، وَقَالَت: أكَلَ الدهرُ مَالَك وَلم يُبْق لَك ولبناتك إِلَّا هَذِهِ الْعُنَيْزة يتمتعون مِنْهَا ثُمَّ تُرِيدُ أَن تَفْجَعَهُنّ بهَا، فَقَالَ: وَالله لأذبحنّها، فذبْحُها أحسن من اللُّؤم، قَالَت: إِذن وَالله لَا تبقي لبناتك شَيئًا فَأخذ الْعُنَيْزة - وأضجعها، وَقَالَ:

قَرِينَتِي لَا تُوقِظي بُنَيَّهْ ... إِن توقظيها تنتحب عَلَيْهِ

وتنزع الشَّفْرَة من يَدَيَّه ... أبْغِضْ بِهَذَا وبذا إِلَيَّه

ثمَّ ذبح الشَّاة وأضرم نَارا وَجعل يقطع من أطايبها وَيُلْقِيه عَلَى النّار ثُمَّ يناوله عُبَيْد اللَّه ويحدثه فِي خلال ذَلِكَ بِمَا يُلْهيه ويضحكه، حَتَّى إِذا أصبح عبيد اللَّه وانجلت السحابة وهَمَّ بالرحيل قَالَ لقيِّمِه: مَا مَعَك؟ قَالَ: خمس مائَة دِينَار، قَالَ: ألقها إِلَى الشَّيْخ، قَالَ: القَيِّم جعلتُ فِداك، إِن هَذَا يُرضيه عُشْر مَا سميت وَأَنت تَأتي مُعَاوِيَة وَلَا تَدْرِي عَلَى مَا توافقه عَلَى ظَاهره أم على بَاطِنه، قَالَ: وَيحك إِنَّا نزلنَا بِهَذَا وَمَا يملك من الدُّنْيَا إِلَّا هَذِهِ الشَّاة فَخرج لَنَا من دُنْيَاهُ كلهَا، وَإِنَّمَا جُدْنا لَهُ بِبَعْض دُنْيَانَا فَهُوَ أَجود منا، ثُمَّ ارتحل فَأتى مُعَاوِيَة فَقضى حَوَائِجه، فَلَمّا انْصَرف وَقرب من رَحل الأَعْرَابِي قَالَ لوَكِيله: انْظُر مَا حَال صاحبنا، فعوَّل إِلَيْهِ فَإِذا إبل وَحَال حَسَنَة وَشاء كثير، فَلَمّا بصر الأَعْرَابِي بعبيد اللَّه قَامَ إِلَيْهِ فأكب عَلَى أَطْرَافه يقبلهَا، ثُمَّ قَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي، قَدْ مدحتك وَمَا أَدْرِي من أَي خَلْقٌ اللَّه أَنْت ثُمَّ أنْشدهُ:

<<  <   >  >>