أحَلَّها من أَحلَّها من مُتَفَقِّهة العراقين. وذُكِر من ذَلِكَ شَيْخُنا أَبُو جَعْفَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي كتبه فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالفين فِيهِ، ونَقْضِ مَا اعتلُّوا بِهِ مَا تشرّف بِهِ النَّاصح لنَفسِهِ، النَّاظِر لدينِهِ، المحقِّق فِي نظره عَلَى مَوضِع الصَّوَاب مِنْهُ، فَأَما الرِّوَايَة الَّتِي حدَّث بهَا شريكٌ عَنْ عُمَر رَضِي اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهَا مَعْرُوفَة وَلها نَظَائِر مروية عَنْهُ، وَهِي فِي تَأْوِيلهَا غَيْر مخالفةٍ لما ذهب إِلَيْهِ مُخَالفونا، مُخطئون عندنَا فِي تَأْوِيل بَعْضهَا، فَكيف يُظَنُّ بعمر غَيْر مَا أضفنا من القَوْل إِلَيْهِ، وحَمَلْنا تَأْوِيل الرِّوَايَات عَنْهُ عَلَيْه، وَقَدْ ثَبت عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي ابْنه: إِن عُبَيْد اللَّه شرب شَرَابًا وَإِنِّي سائلٌ عَنْهُ، فَإِن كَانَ مُسْكِرًا حَدَدْتُه، فَسَأَلَ عَنْهُ فَكَانَ مُسْكرًا فَحَدَّه، فَلم يسْأَل أيُّ سائلٍ عَنْهُ: إِن كَانَ فِي نوعٍ مخصوصٍ أَوْ نيئًا غَيْر مطبوخ، وَلا قَالَ أيُّ سائلٍ عَنْ عُبَيْد اللَّه: هَلْ تَمَادى فِي شُرْب مَا شَرِبَهُ حَتَّى أسكره؟ أم اقْتصر عَلَى الْقَلِيل مِنْهُ؟ ووقف عِنْد مقدارٍ لَا يبلغ إِلَى السُّكْر بِهِ؟ وَقَدْ نُقِل عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحدُّ فِي الرَّائحة، فَأخذ بِهَذَا جمهورُ المتفقهين من أَهْل الْمَدِينَة.
وَلَيْسَ كتَابنَا هَذَا من مَوَاضِع الإطناب فِي هَذَا الْبَاب ومحاجّاة الْخُصُوم فِيهِ.
خَلَع عَلَيْه حَتَّى اسْتَغَاثَ
وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَرَفَة الأَزْدِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن إِسْحَاق بْن سَلام، قَالَ: أَتَى الْكُمَيْتُ بابَ مَخْلَد بْن يَزِيد بْن الْمُهَلّب يمدحه، فصادف عَلَى بَابه أَرْبَعِينَ شَاعِرًا، فَقَالَ للآذن: استأذنْ لي عَلَى الْأَمِير.
فَاسْتَأْذن لَهُ عَلَيْه فإذِن لَهُ، فَقَالَ لَهُ: كم رأيتَ بِالْبَابِ من شاعرٍ؟ قَالَ: أربعينَ شَاعِرًا، قَالَ: فَأَنت جَالِبُ التَّمْرِ إِلَى هَجَر، قَالَ: فَإِنَّهُم جَلَبُوا دَقَلا وَجَلَبْتُ أَزَاذًا، قَالَ: فهاتِ أَزاذَك، فَأَنْشد:
هَلا سألتِ منازلا بالأبْرَقِ ... دَرَسَتْ فَكيف سُؤَالُ من لَم يَنْطِقِ
لعبتْ بهَا رِيحَانِ ريحُ عجاجةٍ ... بالسَّافِياتِ من التُّراب الْمُعْنِقِ
والهَيْفُ رأئحةٌ لَهَا ينتاحُها ... طَفَلُ العَشِيِّ بِذِي حَنَاتِمَ شُرَّقِ
الحَنَاتِمُ: جرارٌ خُضْر شَبَّه الغَيْمَ بهَا، والهَيْفُ: الرِّيحُ الحَارَّة، قَالَ القَاضِي: من الهَيفِ قولُ ذِي الرُّمَّة:
وصَوَّحَ البَقْلَ مازيٌ يجيءُ بِهِ ... هيفٌ يمانيةٌ فِي مَرِّهَا نَكَبُ
والحَنَاتِمُ: وَاحِدهَا حَنْتَمة وحَنْتَم، قَالَ الشَّاعِر فِي الحَنْتم:
وأَقْفَر من حضارةٍ وِرْدُ أهْلِهِ ... وَقَدْ كَا يَسْقِي فِي قلالٍ وحَنْتَمِ
وقَالَ فِي الحناتم:
يَمْشُون حولَ مكدمٍ قَدْ كَدَّحَتْ ... مَتْنَيْهِ حَمْلُ حناتمٍ وقِلالِ