الْمجْلس الثّالِث والتسعُون
سُرَاقَةُ يَتَتَبَّعُ آثَارَ الرَّسُولِ عِنْدَ هِجْرَتِهِ
أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ أَبُو عُمَرَ القَاضِي سنة تسع عشرَة وثلثمائة، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عمي عَنْ أَبِيه عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مالكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ جَعَلَتْ قريشٌ لِمَنْ ردَّه مِائَةَ نَاقَةٍ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جالسٌ فِي نَادِي قَوْمِي إِذْ أقبل رجل ٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَكْبًا ثَلَاثَة مرُّوا عليَّ آنِفا، إنّني لأَرَاهُ مُحَمَّدًا، قَالَ: فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ، إِنَّمَا هُمْ بَنُو فُلانٍ يَبْغُونَ ضالَّتهم، قَالَ: فَمَكَثْتُ قَلِيلا ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ بِفَرَسِي فَقِيدَ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي، وَأَخْرَجْتُ سِلاحِي مِنْ وَرَاءِ حُجْرَتِي، ثُمَّ أَخَذْتُ قِدَاحِي الَّتِي أَسْتَقْسِمُ بِهَا، وَلَبِسْتُ لأْمَتِي، ثُمَّ أَخْرَجْتُ قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا فَخَرَجَ السَّهْمُ الَّذِي أَكْرَهُ " لَا يَضُرُّهُ "، قَالَ " وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أردَّه وَآخُذَ الْمِائَةَ نَاقَةٍ.
قَالَ الْقَاضِي: هَكَذَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ، وَالْوَجْهُ مِائَةُ النَّاقَةِ، فَتَكُونُ الأَلِفُ وَاللامُ فِي الْمُضَافِ إِلَيْهِ دُونَ الْمُضَافِ كَمَا يُقَالُ غُلامُ الْقَوْمِ، وَلا يُقَالُ الْغُلامِ قَوْمٍ.
فَرَكِبْتُ عَلَى أَثَرِهِ، فَبَيْنَمَا فَرَسِي يشتدُّ بِي عَثِرَ فَسَقَطْتُ عَنْهُ، فَأَخْرَجْتُ قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا فَخَرَجَ السَّهم الَّذِي أَكْرَهُ " لايضرّه "، قَالَ: فَأَبَيْتُ إِلا أَنْ أَتْبَعَهُ، فَرَكِبْتُ فَلَمَّا بَدَا لِيَ الْقَوْمُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِمْ عَثِرَ بِي فَرَسِي وَذَهَبَتْ يَدَاهُ فِي الأَرْضِ وَسَقَطْتُ عَنْهُ، فَاسْتَخْرَجَ يَدَيْهِ وَانْبَعَثَ دُخَانٌ مِثْلُ الإِعْصَارِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ مُنِعَ مِنِّي وَأَنَّهُ ظَاهِرٌ، فَنَادَيْتُهُمْ فَقُلْتُ: انْظُرُونِي فَوَاللَّهِ لَا أُرِيبُكُمْ وَلا يَأْتِيكُمْ مِنِّي شَيْءٌ تَكْرَهُونَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاذَا تَبْتَغِي؟ قَالَ: فَقُلْتُ اكْتُبْ لِي كِتَابًا يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ آيَةً، قَالَ: اكْتُبْ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ، قَالَ، فَكَتَبَ لِي ثُمَّ أَلْقَاهُ إليَّ.
قَالَ: فَرَجَعْتُ فَسُئِلْتُ فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ، حَتَّى إِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَكَّةَ وَفَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ خَرَجْتُ إِلَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَلْقَاهُ وَمَعِي الْكِتَابُ الَّذِي كتب لي فَبين أَنَا عَامِدٌ لَهُ دَخَلْتُ بَيْنَ كَتِيبَةٍ مِنْ كَتَائِبِ الأَنْصَارِ فَطَفِقُوا يُفَزِّعُونَنِي بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ: إِلَيْكَ إِلَيْكَ، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ. قَالَ: فَرَفَعْتُ يَدِي بِالْكِتَابِ وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كِتَابُكَ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ، قَالَ: فَأَسْلَمْتُ وَسُقْتُ إِلَيْهِ صَدَقَةَ مَالِي.
دلَالَة قصَّة سراقَة وَدَلَائِل النَّبِيّ جملَة
قَالَ القَاضِي: خبر سراقَة بن مَالك هَذَا وَمَا كَانَ من أمره آيَة من إِعْلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودلائله الشاهدة بنبوته والدّالة على صدقه، وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بأنّ قَوَائِم رَاحِلَته ساخت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute