للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الْآفَاق، قَالَ لَهُ: اعْفني من أَربع، وقُلْ بعدَها مَا شئتَ أَلا تكْذِبْني فَإِن الكَذُوب لَا رَأْي لَهُ، وَلا تُجِبْنِي فِيمَا لَا أسألُك عَنْهُ، فَإِن فِي الَّذِي أَسأَلك عَنْهُ شغلا عَمّا سِوَاه، وَلا تحملْني عَلَى الرّعية، فَإِنَّهُم إِلَى مَعْدَلَتِي ورأفَتي أحْوَج.

الزَّرع وَالْجَرَاد

حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عليّ بْن الْمَرْزُبَان النَّحْويّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن الأَسَديّ أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن صَالِح بْن شيخ بْن عُمَيْرة، حَدثنَا عبد الرحمن بْن أَخِي الْأَصْمَعِي، عَنْ عمّه الْأَصْمَعِي، قَالَ: قِيلَ لأعرابيٍّ: أَكَانَ لَك زَرْعٌ؟ قَالَ: نعم، وَلَكِن أَتَانَا رجلٌ من جَراد، تَنَبَّل مناجل الحَصاد، فسُبحان مهلك القويِّ الأكُول، بالضَّعيفِ المأكُول.

المتفضِّلُ جَاوز حدَّ الْمنصف

حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن خَلَف السُّكري، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى زَكَرِيّا بْن يَحْيَى بْن خَلاد الْمِنْقَرِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرفيّ، ثَنَا الْأَصْمَعِي، عَمَّن أخبرهُ:

أَن أَبَا جَعْفَر المَنْصُور حِين عَفَا عَنْ أَهْل الشَّام، قَالَ لَهُ رجلٌ، يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين! الانتقامُ عدلٌ والتجاوزُ فَضْل، والْمُتفضِّلُ قَدْ جَاوز حَدَّ الْمُنْصِف، فَنحْن نُعِيذُ أَمِير الْمُؤْمِنِين بِاللَّه عَزَّ وَجَلّ من أَن يَرْضى لنَفسِهِ بأوْكَسِ النَّصِيبين، وأَلا يرتفعَ إِلَى أَعلَى الدَّرَجتين.

المجِلسُ التَاسِع والْعِشروُن

النّاس سَوَاء كأسنان الْمشْط

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ حَيَّانَ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ إِدْرِيسُ بْنُ يُونُسَ الْفَرَّاءُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَاجٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النَّاسُ سَوَاءٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ، وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَةِ، وَالْمَرْءُ كثيرٌ بِأَخِيهِ، وَلا خَيْرَ لَكَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ ".

قَالَ القَاضِي: وَقَدْ تضمَّن هَذَا الْخَبَر بألفاظه اللطيفة الجامعة، ومعانية الشَّرِيفَة النافعة، حِكَمًا متقبَّلةً فِي الْعقل، ثَابِتَة فِي الْفَضْل، راجحةً فِي ميزَان الْعدْل.

وَقَوله عَلَيْه السَّلام: " الناسُ سواءٌ كأسْنان الْمُشْط " من أَبْيَنِ الْكَلَام النَّبيه، وَأحسن التَّمْثِيل والتشبيه، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِر:

سواسيةٌ كأسْنان الْحِمَار

فنحا هَذَا النحوَ فِي الْعبارَة من التَّساوي والتشاكُل، والاشتباه والتماثُل.

فأمّا قَول هَذَا الشَّاعِر: سواسية.. فَإِن بعض عُلَمَاء أَهْل اللُّغة ذكر أَن السَّواسية هُمُ المتساوون فِي الشَّبَه، وَأَن هَذَا القَوْل إِنَّمَا يُستعمل فِي الذَّم، وقولُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النَّاسُ سواءٌ كَأَسْنَانِ الْمشْط، وَإِنَّمَا يتفاضلون بالعافية "، تَأْدِيب لَهُم وحَضٌّ لَهُم عَلَى تفكُّرِهِم فِي أنفسهم، وَأَنَّهُمْ يتساوون فِي الأَصْل، ويتفقون فِي الخَلْقَ والْجِبِلّ، ويتفاوتون فِي منَازِل

<<  <   >  >>