عَلَيْنَا " " فصلت: ٤٠ ". وَقَرَأَ الْآخرُونَ الأحرف الثَّلَاثَة بِالْفَتْح؛ ومِمّن قَرَأَ كَذَلِك حَمْزَة. وَكَانَ الْكِسَائي يقْرَأ الَّتِي فِي الْأَعْرَاف وحم السَّجْدَة بِالضَّمِّ، وَيفتح الَّذِي فِي النحلِ لوضوح دلَالَته على الْميل بقوله " إِلَيْهِ " فَكَانَ أخصَّ بالدِّلالة إِلَى معنى الْميل من " فِي ". وَقد يكون مَا اخْتَارَهُ الكسائيُّ بَعيدا فِي تفريقه بَين اللَّفْظَيْنِ إِلَى الْجمع بَين اللغتين كَمَا قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: " فمهِّل الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا " " الطارق:١٧ "، وَقد كَانَ الْكِسَائي يفعل هَذَا كثيرا، من ذَلِك مَا رُويَ عَنْهُ من اخْتِيَاره فِي قِرَاءَة: " لَمْ يطمثهنَّ " " الرَّحْمَن:٥٦ " ضم عين الْفِعْل فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ وَكسرهَا فِي الآخر. وَالَّذِي اخْتَارَهُ من الْقِرَاءَة على لُغَة من يَقُول " لحد " فِي مَوضِع وعَلى لُغَة من يَقُول " ألحد " فِي غَيره حسنٌ جميلٌ عِنْدِي.
وَقَول الرَّاعِي " وَقد كَانَ مَاتَ الجودُ حَتَّى نشرته " اللُّغَة الصَّحِيحَة " أنشر الله الميّت، فَنُشِرَ هُوَ، ونشره فَهُوَ منشور لُغَة قد قُرئ بِهَا، وَقد مضى من شرح هَذَا فِيمَا تقدّم من مجالسنا هَذِه مَا نكتفي بِهِ فنستغني عَن إِعَادَته. وَقَوله " وَلَا بلَّ من سقم ": يُقالُ بلَّ الرجلُ من مَرضه وأبلَّ واستبلَّ إِذا برأَ وصحَّ، قَالَ الشَّاعِر:
إِذا بلَّ من داءٍ بِهِ ظنَّ أنَّه ... نجا وَبِه الداءُ الَّذِي هُوَ قَاتله
وَقَالَ الْأَعْشَى:
وكأنَّها مَحْمُوم خَيْبَر بلَّ من أوصابِها
هَارُون الرشيد يكتشف أَن الْمَأْمُون ينظمُ الشّعْر
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَليفَة الْفَضْل بن الْحباب الجُمَحِي قَالَ، حَدَّثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد التيميّ قَالَ: أَرَادَ الرشيد سفرا فَأمر النّاس أَن يتأهّبوا وأعلمهم أَنَّهُ خارجٌ بعد الْأُسْبُوع، فَمضى الْأُسْبُوع وَلم يَخرج، فَاجْتمعُوا إِلَى الْمَأْمُون فَسَأَلُوهُ أَن يستعلم ذَلِكَ، وَلم يكن الرشيدُ يعلمُ أَن الْمَأْمُون يَقُول الشّعْر، فَكتب إِلَيْهِ الْمَأْمُون:
يَا خيرَ من دبَّت المطيُّ بِهِ ... وَمن تقدى بسرجِهِ فَرَسُ
هَلْ غايةٌ فِي المسيرِ نعرفها ... أم أَمْرُنَا فِي المسيرِ مُلْتَبِسُ
مَا عِلْمُ هَذَا إلاَّ إِلَى ملكٍ ... من نوره فِي الظلام نَقْتَبِسُ
إِن سرْتَ سَار الرشاد متّبعًا ... وَإِن تقفْ فالرشادُ محتبسُ
فقرأها الرشيد فسرّ بِهَا وَوَقع فِيهَا: يَا بنيَّ مَا أَنْت وَالشعر؟ أما علمت أنَّ الشّعْر أرفع حالات الدنيّ وأقلُّ حالات السّري، والمسير إِلَى ثلاثٍ إِن شَاءَ الله.
قَالَ القَاضِي: قَول الْمَأْمُون فِي شعره وَمن تقدى بسرجه فَرَسُ: تقدَّى استمرّ كَمَا قَالَ ابْن قيس الرقيّات:
تقدَّت بِي الشهباءُ نَحْو ابنِ جعفرٍ ... سواءٌ عَلَيْهَا لَيْلهَا ونَهارها