أَحْمَر مَحْذُوف، فَأخْبرنَا أَحْمَد بْن مُعَاوِيَة عَن مُحَمَّد ابْن سُلَيْمَان بْن عَطاء، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَن جدي عَمَّن سمع عياضًا وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام فَأَبَوا عَلَيْهِ، فَعرض عَلَيْهِم الْجِزْيَة فأقروا، وَقد عرفُوا شَرط عمر بْن الخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ على أهل الشَّام فَقَالُوا: نعم نقر على أَن نشترط، قَالَ: نعم فَاشْتَرَطُوا ونشترط، فَاشْتَرَطُوا كنائسهم الَّتِي فِي أَيْديهم على أَن يؤدوا خراجها وَمَا لَجأ إِلَيْهَا من طَائِر وصلمهم الَّتِي فِي كنيستهم قَالَ مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن عَطاء: الصلم الْخَشَبَة الَّتِي يَزْعمُونَ أَن عِيسَى بْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام صلب عَلَيْهَا لم يقل صلبهم وسور مدينتهم، قَالَ عِيَاض: فَإِنِّي أشْتَرط أَنا أَيْضا، فأشترط عَلَيْهِم أَن يشاطرهم مَنَازِلهمْ وَينزل فِيهَا الْمُسْلِمُونَ، وَعَلَى أَنْ لَا يحدثوا كَنِيسَة إِلَّا مَا فِي أَيْديهم، وعَلى أَن لَا يرفعوا صليبًا وَلَا يضْربُوا بناقوسٍ إِلَّا فِي جَوف كَنِيسَة، وَأَن يقرُّوا ضيف الْمُسلمين يَوْمًا وَلَيْلَة، وعَلى أَن يحملوا راجل الْمُسلمين من رستاقٍ، إِلَى رُسْتَاقٍ وَعَلَى أَنْ لَا يعمروا خنزيرًا بَين ظهراني الْمُسلمين، وعَلى أَن يناصحوا الْمُسلمين وَلَا يغشوهم وَلَا يمالئوا عَلَيْهِم عدوا، وَمن وفى لنا وَفينَا لَهُ وَمَنَعْنَاهُ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، وَمَنِ انْتَهَكَ شَيْئًا من ذَلِك استحللنا سفك دَمه وسباء أَهله وَمَاله، فَقَالُوا: اكْتُبْ بَيْننَا وَبَيْنك كتابا، فتورك عِيَاض على فرسه، فَلَمَّا فرغ قَالُوا: اشْهَدْ لنا، قَالَ: فَكتب شهد الله وَمَلَائِكَته وَكفى بِاللَّه شيهداً. وَدفع الْكتاب إِلَيْهِم فَدخل فِي شرطهم جَمِيع أهل الجزيرة. وَأما الأَرْض فَهِيَ للْمُسلمين وَأَنْتُم عمالهم فِيهَا.
تعليقات للْقَاضِي
قَالَ القَاضِي: قَوْله: فَمن أَرَادَ بحبوحة الْجنَّة يَعْنِي فضاءها وسعتها كَمَا قَالَ جرير:
قومِي تَمِيم هم الْقَوْم الَّذين هم ... ينفون تغلب عَن بحبوحة الدَّار
وَفِي هَذَا الْخَبَر أَن عمر بْن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جعل أهل الْجِزْيَة طَبَقَات، فَفرض على أغنيائهم مِقْدَارًا من الْجِزْيَة، وعَلى الْمُتَوَسّط مِنْهُم مِقْدَارًا متوسطًا بَين مَا فَرْضه على أعلاهم طبقَة وَمَا جعله على أدونهم فِي الوجد منزلَة، وَظهر ذَلِك من فعله واستفاض فِي الصَّحَابَة فَلم يظره من أحدهم إِنْكَار لَهُ وَلَا مُخَالفَة فِيهِ، ثُمَّ تلاه فِي ذَلِك أَئِمَّة أهل الْعلم بِالدّينِ فِي جَمِيع أَمْصَار الْمُسلمين، وَبِهَذَا نقُول؛ وَكَانَ الشَّافِعِي يرى أَلا يتَجَاوَز فِي قد الْجِزْيَة دِينَارا أَو عدله، واستقصاء الْكَلَام وَالْحجاج فِي هَذَا يطول، وَهُوَ مرسوم فِي موَاضعه من كتبنَا فِي الْفِقْه.
عمر يرحل لنَفسِهِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بُهْلُولٍ أَبُو جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أبي قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاخُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَيْقَظْنَا لَيْلَةً وَقَدْ رَحَّلَ لَنَا رَوَاحِلَنَا وَهُوَ يَرْحَلُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute