وربَّ عزٍّ فِي حَال مَخْمَصَة ... وَرب ذلٍّ فِي الْأكل وَالشرب
وَرُبمَا كَانَت الملالَةُ إف ... راطًا شَدِيدا من وامق صبّ
وَرب ذِي بغية يُعاجله ... من قبلهَا صرعةٌ على الْجنب
وَرُبمَا دارت الْمنية فِي القو ... م كَدَوْرِ العقارِ فِي الشَّرب
يَا صورًا نقّلت إِلَى الترب بِالْمَوْتِ كَمَا صوِّرت من الترب
تجْرِي إِلَيْنَا بِالرَّفْع والخفض ... والجزم على ذَا الإِنْسَان وَالنّصب
منتظرًا نَحْبَهُ إِلَى أجل ... لابدَّ مِنْهُ لذَلِك النحب
يشفي امْرِئ غيظه بسبّ امْرِئ والحلم أشفى لَهُ من السبّ
وَقد تلين العيدان حَتَّى يكون اللَّين مِنْهَا أَقْوَى من الصلب
قَوْله " اللَّين أَرَادَ اللين فَخفف، كَمَا قَالَ: مَيْت وميّت، وهَيْن وهيَّن، ولَيْن وليِّن.
الْمُؤلف ينْتَقد تصرف رَئِيس جَاهِل
ولي فِي معنى أول هَذِه الأبيات شَيْء، وَذَلِكَ لِأَن بعض من قُدّم من رَئِيس فِي زَمَاننَا أرسل إِلَيّ صاحبًا لَهُ وَأَنا عليلٌ وَقد اجتمعَ حَولي جماعةٌ يعودوني، فَقَالَ لي وهم يسمعونه: إنَّ فلَانا - يَعْنِي صَاحبه - يعْتَذر من تَأَخره عَن عيادتك بشيءٍ ذكره لَيْسَ فِيهِ عذرٌ لَهُ، فاستجهلت الرَّسُول والمرسِلَ واستسخفتهما وَقلت:
ربَّ حقيرٍ من الذنوبِ ... عظَّمه العذرُ فِي الْقُلُوب
أبداهُ ذُو غفلةٍ وخرقٍ ... فجَاء يُوفي على الخطوب
وَلَو لَمْ يؤدِّ إليَّ هَذِه الرسَالَة ظَاهرا لما علم الْحَاضِرُونَ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْني، مَعَ علمهمْ بِما كَانَ بَيْننَا من ظَاهر الْمَوَدَّة. وَقد ابتذلت الْعَامَّة هذَيْن المثلين: عذره أشدُّ من ذَنبه، وَاضْرِبْهُ على ذَنبه مائَة وعَلى عذره مِائَتَيْنِ.
أَن امْرَءًا قد سَار خمسين حجَّة
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس يَعْنِي أَحْمَد بن يَحْيَى قَالَ، حَدَّثَنَا عُمَر بْن شبة قَالَ، حَدَّثَنَا خَلاد الأرقط قَالَ: كُنَّا على بَاب أبي عَمْرو بن الْعَلَاء فتذاكرنا أَن الْحجَّاج كتب إِلَى قُتَيْبَة بن مُسلم إِنِّي وَإِيَّاك لدةٌ، وإنَّ امْرَءًا قد سَار خمسين حجَّةً إِلَى منهل لقمنٌ أَن يردهُ.
فأدرنا ذَلِكَ بَيْننَا وجعلناه شعرًا فَقُلْنَا:
وإنَّ امْرَءًا قد سَار خمسين حجَّة ... إِلَى منهلٍ من وردهِ لَقَريبُ
قَالَ خَلاد: وقلتُ أَنا وانفردت بِهذا الْبَيْت: