وَقَالُوا قد بَكَيْت فَقلت كلا ... وَقد يبكي من الْجزع الجليد
وَلَكِن قد أصَاب سَواد عَيْني ... عُوَيْد قذى لَهُ طرف حَدِيد
فَقَالُوا مَا لدمعهما سَوَاء ... أكلتا مقلتيك أصَاب عود
معنى الطَّرب
قَالَ القَاضِي: بَين هَذِه الأبيات فِي الْخَبَرَيْنِ من التناسب والتقارب فِي معانيهما مَا يُمكن أَن يكون بعض من أنشأهما أَخذ من صَاحبه، وَجَائِز أَن يكون الِاتِّفَاق فيهمَا وَقع من غير شعورٍ، من كل ناظمٍ من الشاعرين بِمَا نظمه غَيره. وَقد رُوِيَ لنا بَيت بشارٍ الْمُتَقَدّم فِي أبياته هَذِه من طَرِيق آخر وعجزه وَهل يبكي من الطَّرب الجليد والطرب هُوَ استطارة تلْحق الرجل عِنْد غَلَبَة السرُور أَو الْحزن عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّا تغلط فِيهِ الْعَامَّة وَتذهب فِيهِ عَن وَجه الصَّوَاب، فيظنون أَنه يُقَال فِي الْفَرح خَاصَّة دون الْغم، وَالْأَمر فِيهِ بِخِلَاف مَا يتوهمون، وَقد زعم بعض أَصْحَاب اللُّغَة أَنه من الأضداد، وَأنكر ذَلِك كثير مِنْهُم، فَقَالَ لنا ابْن الْأَنْبَارِي: هُوَ عِنْدِي خفَّة تلْحق الرجل عِنْد الشَّيْء يسره أَو يحزنهُ، وَقد قَالَ الْأَعْشَى:
فهاجت شوق محزونٍ طروبٍ ... فاسبل دمعه فِيهَا سجاما
وَقَالَ لبيد:
وَأرَانِي طَربا فِي إثرهم ... طرب الواله أَو كالمختبل
وَمِمَّا يدل على مَا وَصفنَا فِي الطَّرب قَول الْكُمَيْت بْن زيدٍ:
طربت وَمَا شوقا إِلَى الْبيض أطرب ... وَلَا لعبًا مني وَذُو الشيب يلْعَب
ثمَّ قَالَ فِي هَذِه الْكَلِمَة:
وَلَكِن إِلَى أهل الْفَضَائِل وَالنَّهْي ... وَخير بني حَوَّاء وَالْخَيْر يطْلب
بني هَاشم آل النَّبِي ورهطه ... بهم وَلَهُم ارضي مرَارًا وأغضب
وَمَعْلُوم أَن الطَّرب إِلَى بني هَاشم الَّذِي عناه الْكُمَيْت إِنَّمَا هُوَ ارتياحه إِلَيْهِم وَمَا يستفزه ويزدهيه ويستخفه من غَلَبَة الْمُوَالَاة لَهُم وَالْإِخْلَاص فِي مَوَدَّتهمْ، وتوخي الْقرْبَة إِلَى الله تَعَالَى بمسالمة من سالمهم ومحاربة من حاربهم، وَهَذَا هُوَ الْحق الْوَاجِب فِي الدَّين وَاللَّازِم للْمُسلمين.
الْفضل وَصَلَاح الإِمَام
حَدثنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا إِدْرِيس بْن عبد الْكَرِيم قَالَ سَمِعت مزدويه يَقُول، سَمِعت لافضيل يَقُول: لَو أَن لي دَعْوَة مستجابة لجعلتها للْإِمَام، فَإِن صَلَاحه صَلَاح الْعباد والبلاد. فَقَامَ إِلَيْهِ ابْن الْمُبَارك فَقبل وَجهه وَقَالَ: يَا معلم الْخَيْر من يحسن هَذَا غَيْرك؟ قَالَ القَاضِي: ولعمري إِن فِي صَلَاح الإِمَام أعظم صلاحٍ للْمُسلمين فِي دينهم ودنياهم، وَإِن دعاءهم لَهُ بذلك من أحسن مَا يأتونه، وَلَهُم فِيهِ من وفور الْحَظ فِي اتساق مَعَايشهمْ