للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِهِ نَفسِي واستسهلته، يُقَال: سمحت بالشَّيْء وأسمحت قَالَ ابْن مقبل:

هَل الْقلب عَن دهماء سَالَ فَمُسْمِحُ ... وتَاركُهُ مِنْهَا الخيالُ المبرِّح

وَقَوله " قَرونتي ": القَرونَةُ: النَّفس، وَقَوله " فلترشف المنايا " أَي تَمتصّ. وَقَوله " مَا أسأر الدَّهْر من جناني " مَا أبقى من قلبِي، والسؤر الْبَقِيَّة من كلّ شَيْء، من ذَلِكَ قَول الْأَعْشَى:

بَانَتْ وَقد أسْأَرَتْ فِي النَّفْسِ حَاجَتهَا ... بعد ائتلافٍ، وخَيْرُ الودِّ مَا نَفَعَا

لِمَاذا سوِّد الْأَحْنَف

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ قَالَ، حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا، الْغَلابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن بكار قَالَ: حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالرُّصَافَةِ عِنْدَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ. فَقَدِمَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَغَشِيَهُ النَّاسُ، فَكَانَ خَالِدٌ فِي مَنْ أَتَاهُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ؛ قَالَ خَالِدٌ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي يَوْم خميسٍ فَقَالَ: يَا ابْن الأَهْتَمِ، خَبِّرْنِي عَنْ تَسْوِيدِكُمُ الأَحْنَفِ وَانْقِيَادِكُمْ لَهُ، وَكُنْتُمْ حَيًّا لَمْ تُمْلَكُوا فِي جاهليّةٍ قَطُّ. فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ عَنْهُ بِخَصْلَةٍ لَهَا سوِّد، وَإِنْ شِئْتَ بِثِنْتَيْنِ، وَإِنْ شِئْتَ بِثَلاثٍ، وَإِنْ شِئْتَ حدّثتك بَقِيَّة عشيَّتك حتّى تنقضني وَلَمْ تَشْعُرْ بِصَوْمِكَ. قَالَ: هَاتِ الأُولَى فَإِنِ اكْتَفَيْنَا وَإِلا سَأَلْنَاكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: كَانَ أَعْظَمَ مَنْ رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا - ثُمَّ أَدْرَكَنِي ذِهْنِي فَقُلْتُ: غَيْرَ الْخُلَفَاءِ - سُلْطَانًا عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا أَرَادَ حَمْلَهَا عَلَيْهِ وكفهَّا عَنْهُ. قَالَ: لَقَدْ ذَكَرْتَهَا نَجْلاءَ كَافِيَةً، فَمَا الثَّانِيَةُ؟ قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ عَظِيمَ السُّلْطَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَلا يَكُونُ بَصِيرًا بالمحاسن والمساوىء وَلَمْ يُرَ وَلَمْ يُسْمَعْ بأحدٍ كَانَ أبْصر بالمحاسن والمساوىء مِنْهُ، فَلا يَحْمِلُ السَّلْطَنَةَ إِلا عَلَى حَسَنٍ، وَلا يَكُفُّهَا إِلا عَنْ قَبِيحٍ. قَالَ: قَدْ جِئْتُ بصلةٍ للأُولَى لَا تَصْلُحُ إِلا بِهَا، فَمَا الثَّالِثَةُ؟ قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ عَظِيمَ السُّلْطَانِ عَلَى نَفسه بَصيرًا بالمحاسن والمساوىء وَلا يَكُونُ حَظِيظًا، فَلا يَفْشُو ذَلِكَ لَهُ فِي النَّاسِ وَلَا يُذْكَرُ بِهِ فَيَكُونُ عِنْدَ النَّاسِ مَشْهُورًا. قَالَ: وَأَبِيكَ لَقَدْ جِئْتَ بصلَة الأوليتن فَمَا بَقِيَّةُ مَا يَقْطَعُ عَنِّي الْعَشِيَّ قُلْتُ: أَيَّامُهُ السَّالِفَةُ قَالَ: وَمَا أَيَّامُهُ السَّالِفَةُ؟ قُلْتُ: يَوْمُ فَتْحِ خُرَاسَانَ، اجْتَمَعَتْ لَهُ جُمُوعُ الأَعَاجِمِ بِمَرْوِ الرُّوذِ فَجَاءَهُ مَا لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ، وَهُوَ فِي مَنْزِلِ مضيعةٍ، وَقَدْ بَلَغَ الأَمْرُ بِهِ فصلَّى عِشَاءَ الآخِرَةِ وَدَعَا ربَّه وتضرَّع إِلَيْهِ أَنْ يُوَفِّقَهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي فِي الْعَسْكَرِ مَشْيَ الْمَكْرُوبِ يتسمَّع مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَمَرَّ بعبدٍ يَعْجِنُ وَهُوَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: الْعَجَبُ لأَمِيرِنَا يُقِيمُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي مَنْزِلِ مَضِيعَةٍ وَقَدْ جَاءَهُ العدوُّ مِنْ وُجُوهٍ، وَقَدْ أَطَافُوا بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ نَوَاحِيهِمْ ثمّ اتّخذوهم أعراضاً وَلَهُ متحوَّل. فَجَعَلَ الأَحْنَفُ يَقُولُ: اللهمَّ وفِّق، اللهمَّ وَفِّقْ، اللَّهُمَّ سدِّد. فَقَالَ صَاحِبُ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ: فَمَا الْحِيلَةُ؟ قَالَ: أَنْ يُنَادِيَ السَّاعَةَ بِالرَّحِيلِ، فَإِنَّمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَيْضَةِ فَرْسَخٌ، فَيَجْعَلَهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ فَيَمْنَعَهُ اللَّهُ بِهَا، فَإِذَا امْتَنَعَ ظَهْرُهُ بَعَثَ بمجنَّبته الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فَيَمْنَعَ اللَّهُ بِهِمَا نَاحِيَتَهُ وَيَلْقَى عدوَّه مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. فخرَّ الأَحْنَفُ سَاجِدًا، ثُمَّ نَادَى بِالرَّحِيلِ مَكَانَهُ،

<<  <   >  >>