قَدْ كنتُ خفتُك ثُمّ آمَنَنِي ... مِنْ أنْ أَخَافَكَ خَوْفُك اللَّهَ
فغفوت عني عَفْو مقتدرٍ ... حلت لَهُ نقمٌ فألْغَاها
هِشَام بْن عَبْد الْملك يسترضي الأَبْرَش الْكَلْبِيّ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن جَعْفَر الأَزْدِيّ، ثَنَا أَبُو بَكْر بْن أبي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ أبي عَبْد الرَّحْمَن الطَّائِي، عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس، قَالَ: حَدَّثَنِي الأبرشُ بْن الْوَلِيد الْكَلْبِيّ، قَالَ: دخلت عَلَى هِشَام بْن عَبْد الْملك فَسَأَلته حَاجَة فَامْتنعَ عَليّ، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! لَا بُد مِنْهَا، فإنّا قَدْ ثَنَيْنَا عَلَيْهَا رِجْلا، قَالَ: ذَلِكَ أضعفُ لَك أَن تَثْنِيَ رِجْلَك عَلَى مَا لَيْسَ عنْدك، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين! مَا كنتُ أظنُّ أَنِّي أمدُّ يَدي إِلَى شَيْء مِمَّا قِبَلك إِلا نلتُه، قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: لِأَنِّي رأيتُك لذَلِك أَهلا ورأيتُني مُستحقَّهُ مِنْك، قَالَ: يَا أبرشُ! مَا أَكثر من يرى أَنَّهُ يستحقُّ أمرا لَيْسَ لَهُ بِأَهْل، فَقلت: أُفٍّ لَك لَكِن إِنَّك - واللهِ مَا علمتُ - قليلُ الْخَيْر نَكِدُهُ، واللَّه إنْ نُصِيبُ مِنْك الشيءَ إِلا بعد مَسْأَلَة، فَإِذا وصل إِلَيْنَا مَننْتَ بِهِ، واللَّه إنْ أصبْنَا مِنْك خيرا قَطُّ، قَالَ: لَا، واللَّه، ولكنّا وجدنَا الأعرابيَّ أقلَّ شيءٍ شُكرًا، قُلْتُ: واللَّه إِنِّي لأكْره للرجل أَن يُحْصِيَ مَا يُعطي.
وَدخل عَلَيْه أَخُوهُ سَعِيدُ بْن عَبْد الْملك وَنحن فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: مَه يَا أَبَا مُجاشِع، لَا تقل ذَلِكَ لأمير الْمُؤْمِنِين، قَالَ: فَقَالَ هِشَام: أَتَرْضَى بِأبي عُثْمَان بيني وَبَيْنك؟ قُلْتُ: نعم، قَالَ سعيدٌ: مَا تقولُ يَا أَبَا مُجاشِع؟ فَقلت: لَا تَعْجَلْ، صَحِبْتُ - واللَّهِ - هَذَا وَهُوَ أرْذَلُ بني أَبِيهِ، وَأَنا يومئذٍ سَيِّدُ قَومي وأكثرُهُمْ مَالا وأوجَهُهُمْ جاهًا، أُدْعَى إِلَى الأمورِ الْعِظَام من قِبَلِ الْخُلَفَاء، وَمَا يَطْمع هَذَا يومئذٍ فِيمَا صَار إِلَيْهِ، حَتَّى إِذا صَار إِلَى الْبَحْر الأخْضَر غَرَفَ لنا مِنْهُ غَرْفَةً ثُمّ قَالَ: حسبُ.
فَقَالَ هِشَام: يَا أبرشُ! اغْفِرها لي، فواللَّهِ لَا أعودُ لشيءٍ تكرههُ أبدا، صدق يَا أَبَا عُثْمَان.
قَالَ: فواللَّه مَا زَالَ مُكرمًا لي حَتَّى مَاتَ.
الفَرَزْدَق يُؤّجَّل ثَلَاثًا
حَدَّثَنَا أَبِي رحمَهُ اللَّه، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الحنلى، أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْص النَّسَائيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن بشر، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَمْرو الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرو بْن خَالِد الْعُمَاني، قَالَ: قدم الفرزدق الْمَدِينَة فِي سنةٍ جدبةٍ حَصْباء، فَمشى أهلُ الْمَدِينَة إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، وَهُوَ يَوْمئِذٍ أميرها فَقَالُوا لَهُ: أصلح اللَّه الْأَمِير، إنّ الفرزدقَ قدِم مدينتنا هَذِهِ فِي هَذِهِ السّنة الجَدْبة الَّتِي قَدْ خَلَتْ أموالها، ولَيْسَ عِنْد أحدٍ مِنْهُم مَا يُعطيه، فَلَو أَن الْأَمِير بعث إِلَيْهِ فأرضاه وتقدّم إِلَيْهِ أَلا يَعْرض لأحدٍ بمدحٍ وَلا هجاء، قَالَ: فَبعث إِلَيْهِ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، فَقَالَ: يَا فرزدقُ! إِنَّك قَدِمْتَ مدينتنا فِي هَذِهِ السّنة الجدبة، ولَيْسَ عِنْد وَاحِد مِنَّا مَا يُعطي شَاعِرًا، وَقَدْ أمرت لَك بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم، فخُذْها وَلا تَعْرِض
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute