وَالنَّاس من يلق خيرا قَائِلُونَ لَهُ ... مَا يَشْتَهِي ولأم الْمُخطئ الهبل
قد يدْرك المتأني بعض حَاجته ... وَقد يكون مَعَ المستعجل الزلل
تَعْلِيق للْقَاضِي وتفسيرات
قَالَ القَاضِي: لعمري إِن هَذِه الأبيات لمن رصين الشّعْر وبليغه، وَكلمَة الْقطَامِي الَّتِي هَذِه الأبيات مِنْهَا من أَجود شعره، وأولها:
إِنَّا محيوك فَاسْلَمْ أَيهَا الطلل ... وَإِن بليت وَإِن طَالَتْ بك الطول
ويروى الطيل.
وَقد ذكر بَعضهم أَن أَجود مَا أَتَى من أشعار الْعَرَب على هَذِه الْعرُوض وَهَذَا الروي هَذِه الْكَلِمَة وَكلمَة الْأَعْشَى الَّتِي أَولهَا:
ودع هُرَيْرَة إِن الركب مرتحل ... وَهل تطِيق وداعا أَيهَا الرجل
وَقَول الأخطل: إِنَّه لمغدف القناع المغدف: المغطى فَكَأَنَّهُ نسبه إِلَى الخمول وقصوره عَن الشّرف وَأَن يكون بارزًا مبدياً صفحته مجداً وافتخاراً، كَمَا قَالَ سحيم بْن وثيل الريَاحي:
أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... مَتى أَضَع العماخمة تعرفوني
وَيُقَال أعدفت الْمَرْأَة قناعها كَمَا قَالَ عنترة:
إِن تغدفي دوني القناع فإنني ... طب بِأخذ الْفَارِس المستئم
وَأما قَول الْقطَامِي: يَمْشين رهوا فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُنَّ يَمْشين فِي سكونٍ وتؤدة، وَقد قيل فِي قَول الله تَعَالَى: " وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا " الدُّخان: ٢٤ أَي سَاكِنا وَقيل طَرِيقا يبسًا. وَحكى أَن بعض الْعَرَب قَالَ فِي فالج من الْإِبِل: رهو بَين سنَامَيْنِ. وَقَالَ بعض أهل الْمعرفَة: لَو كَانَ الْقطَامِي قَالَ هَذَا الْبَيْت فِي صفة النِّسَاء لَكَانَ قد أحسن. وَمن الزهو قَول الشَّاعِر:
كَأَنَّمَا أهل حجرٍ ينظرُونَ مَتى ... يرونني خَارِجا طير بباديد
طير رَأَتْ بازيًا نضح الدِّمَاء بِهِ ... وَأمه خرجت رهوا إِلَى عيد
وَقل عَمْرو بْن كُلْثُوم:
نصبنا مثل رهوة ذَات حدٍ ... مُحَافظَة وَكُنَّا السابقينا
ويروى: نصبنا مثل رهوة وادحر.
قيل هِيَ الْخَيل، وَقَوله: وَالرِّيح ساكرة يَعْنِي سَاكِنة، وَإِذا كَانَت سَاكِنة فَهِيَ فعل الْأَشْيَاء المفقودة المعدومة، يُقَال سكر الشَّيْء إِذا سكن، وَقيل للسكر الَّذِي هُوَ منسكر الأودية والأنهار سكر، لِأَنَّهُ سكن إِذا انسد وعدمت سورته، وَمِنْه السكر من الشَّرَاب وَغَيره، قيل فِيهِ ذَلِك لاحتباس مَا كَانَ مُنْطَلقًا من السَّكْرَان وَصِحَّة رَأْيه وصواب مَنْطِقه، وَقيل سكر الْحر إِذا سكنت فورته وهدأ احتدامه وشدته، كَمَا قَالَ الراجز:
جَاءَ الشتَاء واجثأل الْقَبْر